في العام 1995 انطلقت عمليات بناء وتجهيز الملعب البلدي في مدينة الرقّة على قطعة أرض خُصصت له منذ السبعينات، ممتدة بين أطراف حي الفردوس وحارة البدو. لكن لم ينتهِ تشييده إلّا في العام 2006. وفي خلال سنوات بنائه، توسّعت الرقّة ليصبح الملعب جزءاً من وسطها بعد أن كان على أطرافها، كما أن سوره الإسمنتي المتّسخ المسودّ على مر الزمن منحه اسم “الملعب الأسود”. للمفارقة، تلك التسمية اكتسبت معانيَ رمزية أخرى حينما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الرقة في العام 2013 وحوّل الملعب إلى سجنٍ أمني لولايتي “الرقّة” و “الشّام”. هذا السجن عُرف اختصاراً بين أهلي الرقة بـ”سجن النقطة 11″، وهو أكبر سجون التنظيم وأكثرها ساديّة ووحشيّة. والجدير بالذكر هنا أن التنظيم لم يكن أول من اتّخذ من الملعب سجناً بل سبقته إلى ذلك الفصائل المُسلحة، التي تصارعت في الرقّة العام 2013 وأسست فيه هيئةً شرعية ضمت سجناً. أما التنظيم، وبعد تجهيزه المبنى، فقد خصّصه للمعتقلين المصنفين عنده بالـ”أمنيّين”. بدأ فريق متحف سجون داعش العمل على توثيق ودراسة سجن الملعب عام 2017، بعد أيام قليلة من خروج التنظيم منه. لاحقاً سُجلت 11 مقابلة مصوّرة مع سجناء اعتقلوا فيه. إضافة إلى ذلك، أجرينا مقابلات مسجّلة بالصوت مع مهندسين أشرفوا على تشييد مبنى الملعب، ومع نشطاء شهدوا حقبة تأسيس الهيئة الشرعية فيه قبل سيطرة التنظيم عليه، إلى جانب سلسلة مقابلات مُسجّلة مع أحد رجال التنظيم الذي زاول فيه مهاماً إدارية ولوجستية. وكل تلك المقابلات أتاحت فهم طبيعة السجن والتحوّلات التي عصفت بالبناء قبل وأثناء وبعد سيطرة التنظيم عليه. تفيد المعلومات التي جمعناها بأن مبنى الملعب كان في آنٍ معاً مركزاً لجهازين أمنيّين. الأوّل تابع لـ “ولاية الرقّة” وآخر متخصّص بـ “ولاية الشام”، لكننا اخترنا دراسة السجن ككتلة واحدة لصعوبة التفريق بين الجهازين ولنقصٍ في المعلومات حول علاقة المركزَيْن أحدهما بالآخر. بصورته النهائية ضمّ المبنى ما يقارب 46 غرفة بما في ذلك الحمامات والمطابخ والمهاجع الجماعية والمنفردات، كما تضمن أيضاً غرفة إعدامات وغرف تعذيب وغرف أمانات وغرف التحقيق وغرف القضاة الشرعيين. ونظراً لخطورة تُهم السجناء، كان التعذيب على أشده هنا يشمل التعليق بـ “البالنغو” والشبح وقلع الأظافر والجلد. أخيراً، ومع تكرار استهداف الملعب من الطيران الحربي ومحاولات فرار المساجين منه، نُقل السجن ووُزِّع معتقلوه على سجونٍ أخرى. لكن التنظيم لم يتخلّ عن المبنى بل تحصن فيه حتّى الساعات الأخيرة من تواجده في الرقّة، يوم الثلاثاء 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2017. ولهذا يعد الملعب آخر معاقله في المدينة، إذ يستطيع الزائر في الجولة تمييز الحفر والخنادق التي أحدثها رجال التنظيم في بعض قاعاته أثناء معاركهم الأخيرة فيه. واليوم عاد الملعب ليستقبل الرياضيين من أبناء الرقّة بعد تأهيله وترميمه، وهو كسائر المدينة خاضعٌ لسيطرة قوّات سوريا الديمقراطية.