بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على واحدة من أكبر أحداث القتل الجماعي في سوريا، يفتح “متحف سجون داعش” ملف مجزرة الشعيطات التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ريف دير الزور. فالصّراعات التي وقعتْ بين التنظيم وعشيرة الشعيطات أدّت إلى مقتل المئات من أبنائها الذين دُفِنوا في مقابر جماعية، ما يزال بعضُها يُكتشف تباعاً حتى يومنا هذا. وقد خلّفت المجزرة آثاراً لا تُمحى من ذاكرة العشيرة، ومن ذاكرة السوريّين الجماعية. إذ تعدّ، ثاني أكبر مجزرة في مرحلة الثورة السورية الأخيرة منذ العام 2011، بعد الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري في غوطة دمشق الشرقيّة صيف العام 2013، والثالثة بعد مجزرة حماة على يد حافظ الأسد في العام 1982.
يوّثق الملف حدث المجزرة بالتفصيل، ويشرح سياقاته وخلفياته ونتائجه في دراسة موسّعة، تتبَّعَتْ مجرياته يوماً بيوم، وما تضمّنه من عنف وقتل وحشيّ. كما أنّ الدراسة تعيد ضبط وتنظيم جميع البيانات عن ضحايا المجزرة، وتحليلها وربطها ببيانات المقابر الجماعية، بالاعتماد على عشرات المقابلات المصوّرة والصوّتية لأهالي الضحايا والناجين، ووجهاء وأفراد العشيرة مِمَّن شهدوا الحدث.
يحيط هذا الملف بكل ما ارتبط بمجزرة الشعيطات من انتهاكات مختلفة تمثّلت في الاعتقالات والتعذيب في عشرات السجون التي أنشئت خصيصاً لأبناء العشيرة، وفي عقاراتهم وداخل منازلهم، فيعرض جولات ثلاثيّة الأبعاد (3D) لثلاثة مواقع احتجاز، تشكّل نماذج عن عشرات أخرى أسسها داعش في مناطق الشعيطات. وقد صوّرت الجولات على مراحل زمنية مختلفة، وخضعت للتحليل المعماري الدقيق، وأعيد تجسيدها افتراضياً لتوضيح ما دار فيها أثناء سيطرة داعش، بالاستناد إلى شهادات تسعة ناجين منها.
كما يعرض الملفّ قائمة بـ 20 موقعاً اكتشفت فيها مقابر جماعيّة، حوَت جثامين أبناء الشعيطات ممن قُتِلوا على يد عناصر “داعش” بطرقٍ مختلفة في الفترة الواقعة ما بين 3 و30 آب/أغسطس العام 2014. إضافة إلى ذلك، يورِد الملفّ 19 شهادة مُسجّلة بالفيديو أو بالصوت فقط، بعضها لناجين من سجون داعش في مناطق الشعيطات، وسيدات من ذوي ضحايا المجزرة.
تعاون “متحف سجون داعش” في إنتاج الملف مع “رابطة عائلات ضحايا الشعيطات”، التي كانت قد أجرت مسحاً لأعداد الضحايا، أعاد فريق المتحف تحليله، إضافة إلى مشاركة الرابطة مجموعة من الوثائق والصور التي ساعدت في بناء صورة متكاملة عن مجزرة الشعيطات، وذلك تكريماً للضحايا ودعماً لذويهم، وتأريخاً لأحد أكبر الأحداث التي حملت ملامح إبادة جماعية في سوريا، بُغية المساهمة في تحقيق العدالة وتعزيز الإجراءات القانونيّة على المستوى الدوليّ تجاه عناصر داعش السابقين.
في هذا القسم نعرض جولات ثلاثية الأبعاد (3D) لثلاثة سجون أسّسها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في منطقة عشيرة الشعيطات في ريف دير الزور، شرقيّ سوريا. يمثّل كل سجن نموذجاً عن عشرات السجون الأخرى التي أنشأها التنظيم في المنطقة التي نُكِبَ أبناؤها بقدرٍ كبيرٍ من القتل والتنكيل والاعتقال والتعذيب.
أقيمت هذه السجون في عقارات تعود ملكيّتها لمدنيّين، منها منازل ومنها محالّ تجارية، وقد وضع التنظيم يده عليها لنحو أربع سنوات. وتُظهر هذه الجولات المصوَّرة في العام 2021، على المستوى الواقعيّ منها، شكل العقارات الثلاثة بعد إعادتها إلى أصحابها، فيما يقدِّم المستوى الثاني للعرض تجسيداً افتراضياً لها كسجون، بناء على التحليل المعماريّ للتغييرات التي لحِقَتْ بها، وشهادات الناجين عن توزّع الغرف والقاعات وعن وجهات استعمالها. وأساليب التعذيب والتحقيق، وتفاصيل الحياة اليومية كالطعام والمرافق الصحية.
ويمكن للزائر، عند تصفّحه الجولة، أن يستمع إلى المعلومات التوضيحيّة التي تتضمّن وصفاً للمكان واستعمالاته، كما إلى إرشادات التجوّل. وكذلك يمكنه الاطّلاع على الشهادات المقدّمة عن كلّ حيّز في السجن عبر المقاطع المرئيّة والصوتيّة المُرفَقة.
تحاول هذه الدراسة إعادة توثيق وضبط سرديّة مجزرة الشعيطات، وذلك عبر مراجعة السياق السياسيّ والعسكريّ لسيطرة “تنظيم الدولة” على محافظة دير الزور، والأحداث التي أفضت إلى إحكام القبضة على مناطق واسعة منها، وصولاً إلى إخضاع المحافظة وبلدات الشعيطات، وما ترتب عن ذلك من اتفاق أوّل يضمن سيطرة “داعش”. ثم تنتقل الدراسة إلى البحث في الحدث الأساسيّ الذي انطلق بنقض “داعش” الاتفاق في تموز/يوليو العام 2014، وأفضى إلى اندلاع معركة معه استمرّت 12 يوماً وقادت بشكل أو بآخر إلى ارتكاب المجزرة.
توثّق الدراسة أحداث المعركة وتَتَتَبَّع تفاصيلها يوماً بيوم، خصوصاً أنّ المجزرة بدأت عمليّاً في خلالها، وبلغت الذروة في نهايتها، مع ما وقع بينهما من عمليات قتلٍ جماعيّ واعتقالات عشوائية وتهجير وسرقة ممتلكات السكان ومنازلهم وتفجير بعضها. كما تغطي مرحلة ما بعد العودة وما تخلَّلها من إجراءات عقابيّة استمرّت معها جرائم القتل وصولاً إلى عثور السكان على المقابر الجماعية. كما تتمعّق في فهم تبعات الحدث، وما طرأ من أنماط ومراحل مختلفة للعنف، تمثَّلت بأدوات عقابية شملت التهجير القسريّ واستمرار الاعتقالات والقتل بمختلف أنواع التّهم.
اعتمدت الدراسة مصادر بيانات متنوِّعة، أساسيّة وثانوية، وتأتي في مقدِّمها المقابلات الميدانية مع ذوي الضحايا والمفقودين، ومع المعتقلين والمقاتلين السابقين، ومع وجهاء العشيرة. وقد أُخضِعت هذه البيانات لتحليل، هو الأوّل من نوعه، تبعاً للخطّ الزمني للحدث، والمتغيِّرات الديموغرافية.
يأتي البحث في المجزرة كمحاولةٍ لتوفير أساسٍ معرفيّ يُبنى عليه في المسارات الحقوقية التي لا تزال مُعلَّقة ومفتوحة، وذلك لوجود أعداد كبيرة من المفقودين، ولتواصل اكتشاف المقابر الجماعية، ناهيك من تورُّط جهات مختلفة في هذا الحدث الذي يُشكِّل جزءاً من مسار عدالة طويل. فبالرغم من مرور أكثر من عشرة أعوام عليه، وما بُذِل من جهود حقوقيّة وإعلاميّة في تغطيته، فإنّ العديد من جوانبه لا يزال مُلتبساً، خصوصاً على مستوى التوثيق والسرديّة. فالمجزرة لم تحظَ بالدرجة الكافية من الدراسة والتوثيق المنهجيّ، سواء على مستوى شرارة الحدث بحدّ ذاته أم على مستوى ملابساته وسياقاته السابقة واللاحقة.
تضمّ القائمة التالية مسحاً لأبرز المواقع التي وجِدَت فيها المقابر الجماعية في منطقة الشعيطات في ريف دير الزور. اكتُشِفَتْ أولى المقابر مع عودة أهالي مدينة غرانيج في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2014، وتواصل العثور على المزيد منها حتى العام 2020. تعود كلّ المقابر لمدنيّين من الشعيطات يُرجَّح، بناء على البيانات المتوفِّرة، أنّهم قُتِلوا على يد عناصر “داعش” بطرقٍ مختلفة في الفترة الواقعة ما بين 3 و 30 آب/أغسطس العام 2014. وتجدر الإشارة، إلى أن هذا القائمة لا تُعَدُّ مسحاً نهائياً لتلك المواقع بقدر ما هي توثيقٌ لأبرزها.
وقد استند تنظيم هذا الجدول على العديد من البيانات، أوّلها المقابلات الميدانية مع العشرات من أهالي الضحايا، مِمَّن وجدوا جثامين ذويهم في تلك المواقع، إضافة إلى مقابلات أخرى مع الناشطين والإعلاميين الذي وثَّقوا بعضها. ثمّ بالتعاون مع “رابطة عائلات ضحايا الشعيطات” التي ساهمت في نقل الجثامين من بعض المواقع ليُعاد دفنها. وكذلك على عشرات الصور والفيديوهات التي أمكنت معاينتها والتي وثَّقَتْ بعض الجرائم ومواقعها عند حدوث المجزرة، وخصوصاً التسجيلات والصور التي بثّها التنظيم عن عمليات القتل في تلك الفترة أو تلك التي سرّبها بعض المدنيين، وذلك بعد مطابقتها مع مواقع المقابر الجماعية في محاولة للتحقُّق من تاريخ ارتكاب الجريمة وطرق القتل المُعْتَمَدة.
الصور والمواد البصرية جميعها موثّقة ومحفوظة في أرشيف “متحف سجون داعش”، ولن تُنشر على الموقع الإلكتروني التزاماً بالنهج الذي اتَّبعه المتحف في احترام خُصوصيّة الأفراد وتكريم الضحايا.
سجّل متحف سجون داعش 17 شهادة مصوّرة لمعتقلين سابقين عند تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما لأفراد من عائلات ضحايا مجزرة الشعيطات في ريف دير الزور. ونحن نعرضها في هذا القسم.
تتضمّن كلّ شهادةٍ مقابلةً مصورةً خضعت لعمليات إعادة تركيب (مونتاج) محدودة، مِنْ دون اقتطاع أية معلومات أو تفاصيل منها، إضافة إلى ملخص مكتوب عن كلّ منها، يحوي أبرز ما وَرَد فيها.
وظّفت هذه الشهادات في توضيح طبيعة وظروف السّجون المدروسة في إطار ملفّ مجزرة الشعيطات، وفي تعزيز فهم أحداث المجزرة وطبيعتها، وتحديد أماكن بعض المقابر الجماعية، إضافة إلى توثيق الأحداث الفردية والجماعية، كالنزوح والعودة، ومحاولات البحث عن المفقودين، وخسائر أهالي العشيرة المادّية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ كل هذه الشهادات التي سُجِّلت بين العامين 2021 و2024، قد نُشِرت بعد الحصول على موافقات خطِّية من أصحابها.
نستعرض في هذا القسم 12 شهادة صوتيّة سُجِّلَتْ بين العامَيْن 2021 و 2024، لنساء كنّ زوجات أو أمهات أو شقيقات بعض ضحايا عشيرة الشعيطات مِمَّن قضوا على يد التنظيم.
تُمكّن هذه الشهادات مَنْ هم قادرون على فهم اللغة العربيّة من الاستماع إلى الأسلوب الخاص والمتميّز لكل إمرأة في رواية قصتها باعتمادها لغتها ومفرداتها الخاصة. أما المُلخصات المرفقة بكلّ ملفّ صوتي فاخترنا صياغتها بشكلٍ أقرب ما يكون إلى أسلوب كلام كل شاهدة، وذلك بغية الوصول إلى أوسَع جمهور مِمَّن لا يستطيعون فهم اللغة العربية، أو لا يفهمون اللهجة المحكية في محافظة دير الزور.
تغطّي الشهادات في معظمها محاورَ أساسية في حكاية أهالي بلدات الشعيطات، بدءاً من دخول التنظيم إلى منطقتهم، ثمّ اندلاع الصراع معه وما رافق ذلك من حصار ونزوح، ووصولاً إلى لحظة العودة إلى المنازل إثر المفاوضات والتسويات مع التنظيم، إلّا أنّ في كلّ قصة نواحيَ خاصة وفريدة تميّزها عن غيرها، كأنْ تعكس طبيعة علاقة الرَاوية (الأم، الشقيقة، أو الزوجة) بالضحية، ومشاعرها وانطباعاتها عن التجربة المريرة التي عاشتها.
كذلك تتيح التسجيلات التعرّف على معاناة النساء الخاصة في خلال حقبة تنظيم الدولة الإسلامية بما يتضمّنه ذلك من تضييق على لباسهنّ وحياتهنّ وعملهنّ، وحرمانهنّ الخروج إلى الحقول للزراعة أو لقطاف المحاصيل، وهو تضييق لم يعتَدْنَه في حياتهنّ اليوميّة.
وقد اخترنا عرض هذه الشهادات مِنْ دون أن نجري عليها أعمال مونتاج أو اقتطاع، وذلك كي نسمح للشاهدة برواية حكايتها بلا انقطاع بقدر الإمكان. أما المحاور فكان يتدخل في مفاصل معينة للتأكّد من دقّة بعض المعلومات أو لأخذ تفاصيل إضافية حول دفن الضحايا وتواريخ استشهادهم.
أخيراً تجدر الإشارة إلى أن النصوص التي نعرضها هنا تتضمن تصويبات بسيطة مشار إليها، لبعض التواريخ ولأعداد بعض الضحايا بالاعتماد على المعلومات الواردة في التحقيقات والقوائم التي أَعددناها أثناء العمل على هذا الملف.