سجن الأحداث:

الأخطر والأقصر عمراً بين سجون داعش في الموصل

 

 

 

 

في العام 2014، وبعد عشرة أيام من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة الموصل، استولى عناصره على مبنى سجن الأحداث في المدينة وحوّلوه سجناً مخُصّصاً للمتَّهمين بقضايا أمنيّة حسّاسة مثل معارضي التنظيم وعناصر الجيش العراقي وآخرين ممَّن اعتبروهم مُخبرين أو “روافض”.

ومع أنّ فترة اعتماده سجناً لم تتجاوز الـ 46 يوماً، إلا أن المئات مِمّن دخلوه فقدوا حياتهم إعداماً وتعذيباً على يد رجال التنظيم، أو قضوا لاحقاً عندما قصفت قوى التحالف المبنى. ويمكن القول إنّ التعذيب في سجن الأحداث كان استثنائيّاً في شدّته، فإلى جانب الجلد و”الشّبح” والتعليق بالـ “بالنغو”، شمل أيضاً قلع الأظافر ووضع الملح على جروح المعتقّلين، والصعق بالكهرباء الذي استهدف أحياناً الأعضاء الجنسيّة.

أما المحقِّقون في السجن فقد أخضعوا السجناء لجلسات تحقيق عديدة ودامِية كان الهدف منها استخراج معلومات عن عناصر الشرطة والجيش والسياسيّين العراقيّين إلى جانب كشف المذهب الحقيقيّ للأشخاص المتَّهمين بانتمائهم إلى المذاهب والطوائف الأخرى.

يرجع تاريخ مبنى الأحداث أو سجن “باشطابيا” إلى العام 1968 عندما شرعت الحكومة العراقيّة في إنشاء دارٍ للأيتام في منطقة سكنيّة في الجانب الأيمن من مدينة الموصل على ضفاف نهر دجلة بالقرب من قلعة “باشطابيا” التاريخيّة.

بعد حوالى 14 عاماً، في العام 1982، حُوِّل المبنى نفسه إلى مقر لـ”دائرة إصلاح الأحداث”، ثم في العام 1986 إلى سجن للفتيان الأحداث الموقوفين أو المحكومين بتهم مختلفة. وبعد غزو العراق العام 2003 سيطرت القوات الأمريكيّة على السجن، وأبقت على إدارته المحليّة، ليستقبل متّهمين بالتورّط في أعمال “إرهابية”.

والمفارقة في قصّة هذا السجن في مختلف المحطّات التي مرّ بها، تكمن في تحوّله أرضيّة أدّت بشكلٍ أو بآخر إلى تجييش الفتيان اليافعين لصالح تيارات وفصائل متطرِّفة كما سنرى بعد قليل، فشكّل بعضهم في وقت لاحق نواة تنظيم الدولة الإسلامية. وهو ما يعني أنّ بعضّ من دخَلوه يوماً سُجَناءَ متهمين ومحكومين، عادوا إليه في وقت لاحق كَسَجّانين وعناصر في تنظيم الدولة.

أجرى “متحف سجون داعش” دراسة تفصيليّة لسجن الأحداث في مراحله المختلفة، وبشكل خاصّ في مرحلة سيطرة تنظيم الدولة، وذلك بعد توثيق شهادة 11 شخصاً ممّن سُجِنوا فيه العام 2014.

كما أجرينا خمس مقابلات مع سجناء احتجزوا فيه قبل ذلك لعملهم في التهريب أو لارتكابهم جرائم مختلفة، إضافة إلى مقابلات مع عاملين سابقين في السجن، ومحامين تولّوا الدفاع عن بعض الموقوفين في حينه، وذلك بُغية فهم المناخ الذي ساد السجن بدءاً من العام 1991 وحتى العام 2008.

من جانب آخر، عمل الفريق المعماري في متحف سجون داعش على إعادة ترسيم خريطة البناء، وتحديداً الأجزاء المُهدّمة منه جرّاء القصف الذي تعرّض له مِنْ قوى “التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة” بتاريخ 6 آب/أغسطس العام 2014، وذلك للإضاءة على بنيته المعماريّة والتغيّرات التي طرأت عليها.

المرحلة الأولى: مِنْ مَيْتم إلى سجن

شرعت الحكومة العراقيّة، العام 1968، في إنشاء مبنى “دار الأيتام” في الموصل على أرض تقدّر مساحتها بدونم واحد[1]، في منطقةٍ سكنيّة مكتظّة على ضفاف نهر دجلة. في الفترة الأولى ما بعد افتتاحها لم يتجاوز عدد الأيتام فيها، بحسب ما يروي أحد العاملين فيها، 50 طفلاً. ولذلك أغلقتها السلطات في العام 1978، ثمّ حوّلتها في العام 1982 إلى دائرة لإصلاح الأحداث.

تألّف مبنى دائرة الإصلاح من قسم لفحص المودَعين، وقاعَتين للحجز، و”دار ملاحظة”[2] للأحداث الذكور ممّن هُم دون الثامنة عشرة من العمر. عُدّت دائرة الإصلاح، حينذاك، بمثابة مركز توقيف مؤقَّت ريثما تُنجَز التحقيقات مع المودَعين فيها وتصدر الأحكامٍ بحقّهم، فيُنقَلوا بعدها إلى سجون إصلاحية أُخرى.

في العام 1986 وُسِّعت “دائرة الإصلاح” وحُوِّلت سجناً للأحداث الموقوفين في انتظار محاكمتهم، وللمحكومين بِتُهَم مُختلفة، جنائية عموماً. تألّف السجن، في ذلك الوقت، من قاعتَيْن كبيرتَيْن، واحدة للمحكومين وأخرى للموقوفين مؤقّتاً، ومِنْ 13 غرفة للمدير والموظّفين، إضافة إلى مَطعم وحمامات، وباحة للتشمُّس، وثلاث زنزانات للحبس الانفرادي، إضافة إلى غرفتين لِمَنْ تقل أعمارهم عن 12 سنة، عُرفت آنذاك بـ”الحجز”[3].

أُدير السجن، في فترة حكم “حزب البعث” في العراق، وفق قانون رعاية الأحداث الرقم 76 الصادر في العام 1983. وكان هدفه “الحدّ من ظاهرة جنوح الأحداث، وذلك بوقاية الحَدَث من الجنوح وتكييفه اجتماعياً بما يتناسب مع القيم والقواعد الأخلاقية لمجتمع مرحلة البناء الاشتراكي”. ويُعرِّف القانون الحدث بأنه مَنْ أتمّ التاسعة من عمره ولَمْ يبلغ الثامنة عشرة.

ظلّ سجن الأحداث، حتى العام 2018، تابعاً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ضمن ما يُعرف بالمديرية العامة لإصلاح الأحداث، لكن بعد صدور “قانون إصلاح النزلاء والمودَعين الرقم 14″، فُصِل عن هذه المديرية العامة وأُلحِق بوزارة العدل. أما حماية السجن فأوكِلت إلى جهةٍ تابعة للوزارة تُسَمّى القوّة الإجرائيّة.

وبحسب الشهادات التي وثّقناها عن أوضاع الموقوفين الأحداث في السجن في تسعينات القرن الماضي ومطلع القرن الحاليّ، خضع السجن لإدارة بَدَت في الظاهر صارمةً، لكنها في الواقع تساهلَتْ في أمور عدّة، مثل التغاضي عن تمرير وبيع السجائر المُهرَّبة، وتمييزها في المعاملة بعضَ الموقوفين من أبناء العائلات النافِذة.

يذكر سامي عبد الخليل، الذي سُجِن في الأحداث العام 1991، لتورّطه في مشاجرة وهو في السابعة عشرة من عمره، أن السجن ضمّ في ذلك الوقت يافعين أوقفوا لعملهم في تهريب الممنوعات أو الدخان، إلى جانب جرائم قتل مرتبطة بالخلافات العشائرية والسرقات والمشاجرات. ويؤكد سامي أن علب الدخان كانت تهرَّب إلى السجن، ويعمد بعض السجناء إلى مقايضة حصّتهم من البيض المسلوق الموزّع عليهم في السجن بعدد من السجائر التي يؤمّنها لهم بعض عناصر السجن.

وفق الشهادات التي وثَّقناها، دفعت الظروف العامة في العراق إثر حرب الخليج الأولى، والحصار الاقتصاديّ الذي أعقبها[4]، الكثير من القاصرين والأطفال إلى الانخراط في أعمال التهريب، أو حتى السرقة لإعالة عائلاتهم.

من هؤلاء سعد سالم عبد الله الذي دخل سجن الأحداث العام 2001 وهو في الرابعة عشرة من عمره. سُجن سعد نتيجة عمله في تهريب الأرزّ لإعالة عائلته، وقد عانى من التمييز كغيره من الأولاد الفقراء أو الأيتام في السجن، إذ كانوا يجبرون على تنظيف المكان، ويُطلب منهم أحياناً غسل ثياب السجناء الآخرين. وبسبب وضع عائلته الاقتصادي السيّئ اضطُر سعد إلى البقاء في السجن شهراً إضافياً إلى أنْ تمكّنت عائلته مِنْ دفع غرامة بقيمة 450 ألف دينار عراقيّ[5] لإخراجه.

باسم محمد علي رشيد، المعتقَل في العام 2000 لعمله في تهريب الغاز، وهو في الرابعة عشرة من عمره آنذاك، أمضى أيضاً 30 يوماً في سجن الأحداث وخرج بعد أن دفعت عائلته غرامة بقيمة 350 ألف دينار عراقي. يذكر باسم كيف نَعِمَ ابن مسؤول عراقي نافذ بمعاملة خاصّة، وسُمح له بالتجوّل في السجن أو حتى الخروج منه، مع أنّه كان محكوماً باغتصاب طفلة وقتلها.

من ناحية أخرى، تشير الشهادات المُوَثَّقة إلى أن الموقوفين والمحكومين في سجن الأحداث لم يتلقوا أي نوع من الدعم النفسي والاجتماعي. كذلك لم يذكر أيٌّ منهم حضور مندوبي المؤسسات المَعنِية بحقوق الطفل للاطلاع على أوضاعهم، أو تقييم وضع المُنشأة التي كانوا مسجونين فيها، مع أنّ البناء كان يخضع للترميم والتوسعة بشكلٍ ملحوظ العام 2001، ما أدّى أحياناً إلى حشر ما يزيد عن 200 موقوفٍ في القاعة الواحدة.

محاكاة لقاعة توقيف في سجن الأحداث قبل عام 2003 (متحف سجون داعش)

 

مرحلة الفوضى: زَمَن الاحتلال الأمريكيّ

بعد غزو العراق وسقوط نظام صدام حسين في نيسان/أبريل العام 2003، وضَعَتِ القوات الأمريكيّة يدها على سجن الأحداث في الموصل، إلا أنّها أبقت إدارته بيد كوادر عراقيّة. أثّر الاضطراب العام في المدينة آنذاك على وضع السجن، فالفصائل المسلّحة التي بدأت تفرض سطوتها على المدينة وسكّانها، راحت تمارس الأمر نفسه على السجن ومدرائه، كما على السجناء.

في العامَيْن 2004 و 2005 سُمِّي سجن الأحداث بسجن “التسفيرات” وبات يستقبل موقوفين بالغين، لكن لم يدُم هذا الإجراء. يروي عبدالباسط شاكر محمود (مواليد 1963)، أن القوات الأمريكية اعتقلته العام 2004 في سجن الأحداث وهو في الأربعينات من عمره، واللافت في ما رواه هو أنّ الإدارة سمحت له بإدخال ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات ليقضي معه أسبوعاً في قاعة التوقيف بين السجناء الآخرين.

ويذكر عبد الباسط حادثة شهدها في السجن، وذلك عندما اقتحم مسلّحون مجهولون المبنى وأطلقوا النار في أرجائه، وبادروا إلى فتح أبواب بعض قاعاته ما أدّى إلى فرار عدد من السجناء. وهو ما يعكس حالة الفوضى التي شهدها السجن في تلك الفترة، مِنْ ضمن ما كانت تشهده مدينة الموصل مِن استهداف رجال دولة ومسؤولين عراقيين على يد جماعات مسلحة كان من جملتها اغتيال مجموعة مجهولة مدير سجن الأحداث، سالم أيوب سلو، مع سائقه، في 6 أكتوبر/تشرين الأوّل العام 2005.

اشتَمَل السجن في تلك الفترة على قاعتَيْن أساسيتَيّن، واحدة للموقوفين مؤقّتاً وأخرى للمحكومين، وذلك بحسب شهادة جُمعة صلاح قادر الذي قضى ستّة أشهر في سجن الأحداث العام 2008، بسبب تورّطه في مشاجرة، وهو في الثالثة عشرة من عمره آنذاك. يقول جمعة إن تهم المُحتجزين تَنَوَّعت ما بين جرائم قتلٍ ومشاجرات وبين تنفيذ أعمال “إرهابية”، وفق المعايير التي حدّدها قانون مكافحة الإرهاب العراقي الصادر في العام 2005.

نُقل جمعة لاحقاً إلى سجن “بادوش” المركزيّ ليكمل مدّة سجنه التي بلغت، سنتين وأربعة أشهر. وفي مقارنة بين السجنَيْن يقول إن ظروف السجناء في الأحداث كانت “الأسوأ”. فقد حُشِر في قاعة الموقوفين التي سًجِن فيها 70 سجيناً، كانوا يُخرجونهم للتشمّس لساعة واحدة فقط كلّ يوم. كما ساد التمييز بينهم، فسُمِح للبعض بإطالة شعورهم بما يخالف قانون السجن، فيما أخفى آخرون شفرات الحلاقة وكميّات من السجائر المهربة عن سائر السجناء.

لكنّ جمعة رأى أنّه بالرغم من ذلك كان السجن مضبوطاً على المستوى الأمني، ولم يشهد اضطرابات كبرى كما في سجن “بادوش” حيث أمسك السجناء بصورة أو بأخرى بزِمام الأمور.

لاحقاً، ومع استمرار التوتّر الأمني في العراق، تزايدت أعداد السجناء في سجن الأحداث، وراحت إدارة السجن تَضَع المتَّهمين أو المحكومين بقضايا الإرهاب مع أصحاب القضايا الجنائيّة في نفس المهاجع. وهذا ما أكّده سجين سابق في “الأحداث” (طلب عدم ذكر اسمه بالكامل)، حين روى لفريقنا تفاصيل مشاهداته فيه قبل إغلاقه.

دخل الشاهد هذا السجن بتهمة السطو المسلح مِن 19 آذار/مارس العام 2009 وحتى إغلاقه في العام 2011 وتحويل مساجينه وإدارته إلى سجن “بادوش”، وقد قدَّم تفاصيل مهمّة عن الأجواء التي سادَتْ السجن في تلك الفترة، ورأى أنّ “الموقوفين بجرائم جنائية أجبروا على مبايعة تنظيم القاعدة بعد قرار دمجهم مع الموقوفين بتهمة الإرهاب”. وكمثال على ذلك يستذكر الشاهد الذي واكب ثلاث إدارات مختلفة للسجن، قصة سجين حدثٍ من الطائفة الإيزيدية، ” أحاط به عناصر القاعدة… في البداية هدّدوه، وبعد ذلك تمكّنوا منه فغسلوا دماغه حتّى بايعهم”، ويتابع “سمعت لاحقاً أنه قُتِل في معارك السيطرة على الموصل في العام 2016، وكان يقاتل في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية”.

شهد السجن في سنواته الأخيرة تصاعد نشاط الأحداث الموقوفين وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب[6]، التي تشمل مرتكبي “الأعمال الإرهابية” و”إضعاف قدرة الأجهزة الأمنية” والمتستِّرين عليهم.

اكتظت زنازين “الأحداث” في تلك الفترة، ووصل إجمالي السجناء بتهم جنائية وإرهابية إلى أكثر من 160، وبحسب ما يرويه شهود، أصبحت أجهزة الهاتف المحمول في متناول يد السجناء، وبلغ الأمر أن من يتعارض مع المحكومين بالإرهاب أو يزعجهم داخل السجن، يُبلّغ عنه عناصر “القاعدة” في الخارج، ليتم تهديده أو حتى تصفيته، وقد عُلّق، في تلك المرحلة علم “القاعدة” داخل القاعات، فضلاً عن تشغيل الأناشيد الإسلامية على مدار الساعة.

أدّت هيمنة عناصر “القاعدة” على القرار داخل سجن الأحداث في نهاية الأمر إلى فرار أربعة محكومين بتهمة “الإرهاب” في الرابع من نيسان/أبريل العام 2010، أُلقِي القبض مجدّداً على ثلاثة منهم فيما بعد. مهّدت حادثة الفرار هذه إلى اتّخاذ قرار مركزي بتحويل السجناء إلى قسم خاص بالِغ التحصين في سجن “بادوش” المركزيّ الواقع على أطراف بغداد ويُعَدّ ثاني أكبر سجون العراق بعد “أبو غريب”. وقد نُفِِّذ القرار في 23 تشرين الثاني/نوفمبر العام 2011.

 

رسم تعبيري لموقوفي سجن الأحداث في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق (متحف سجون داعش)

 

إدارة سجن الأحداث (1982- 2011)

استطاع فريق متحف السجون تحديد أسماء خمسة مدراء تعاقبوا على إدارة السجن بين العامين 1982 و 2011، وذلك من خلال الشهادات التي أدلى بها سجناء سابقون. إلّا أنّ التواريخ التي توصلنا إليها قد لا تكون دقيقة تماماً، إذ لم يتسنّ لنا الاطلاع على وثائق رسميّة تؤكّدها.

 

التاريخ إدارة السجن
1982 – 1996 سالم (…)
1996- 2003 ليث علي ربيع
2003- 2005 سالم أيوب سلو
2005- 2010 يوسف هرمز تومه
2010- 2011 سمير محجوبة

جدول يوضح أسماء المدراء الذين تعاقبوا على إدارة سجن الأحداث

 

بحسب الشهادات، فإن أوّل شخصيّة توّلت إدارة السجن كان يدعى سالم (لم نتوصل الى معرفة اسمه الكامل)، وفي خلال إدارته شهد تحوّل الإصلاحية إلى سجن، وبقي في منصبه حتّى العام 1996، ليخلفه ليث علي ربيع الذي أدار السجن بين العامي 1996 و 2003.

بعد غزو العراق في العام 2003 عُيّن سالم أيوب سلو مديراً للسجن واستمرّ في منصبه حتّى اغتياله في العام 2005، ليحلّ مكانه يوسف هرمز تومه، المُكنّى بـ”أبي رافل”، من العام 2005 إلى العام 2010. وقد أشاد شهود التقيناهم بحسن عمله ومعاملته واهتمامه باحتياجات السجناء.

في العام 2010 استعغى تومه (أبو رافل) من منصبه، فخلفه سمير محجوبة آخر مدراء السجن قبل سيطرة التنظيم عليه، والذي أدار السجن في العامين 2010 و2011. وهنا، يتحدث الشاهد محمود عن فترة إدارة سمير محجوبة سجن الأحداث قائلاً: “عرفت فترة محجوبة بقلة الطعام، فضلاً عن القسوة، فقد كان يعاقب السجناء بـ”الفلقة” والضرب بالهراوات”.

 

مرحلة تنظيم الدولة: 46 يوماً سجناً أمنيّاً!

في 20 حزيران/ يونيو 2014، أي بعد عشرة أيام من دخول تنظيم الدولة الإسلاميّة الموصل، استولى عناصره على مبنى سجن الأحداث، وجهّزوه لتحويله سجناً أمنيّاً، لكن مدة إشغالهم إياه لم تتجاوز 46 يوماً، إذ تعرض للقصف في 6 آب/أغسطس العام 2014 ونُقل المعتقلون فيه إلى سجون أخرى.

بيّنت مقاطعة الشهادات التي جمعناها، إلى جانب التحليل المعماري الذي أجراه فريقنا على المبنى، أنه تألَّف من قاعتَيْن أساسيّتَيْن لتوقيف الرجال (زنزانتين جماعيتين)، وجناح يُرجّح أنه خُصِّص لاحتجاز النساء.

احتوى السجن أيضاً على غرفٍ للتّحقيق (لم نتمكن من تحديد عددها بدقة)، وعلى غُرفة خُصِّصت للقاضي الشرعيّ، كما تضمّن ثلاث زنازين انفرادية (محاجر)، وأقفاص معدنية خصّصها عناصر التنظيم لاحتجاز السجناء في العراء تحت حرّ الشمس. وكما في جميع سجون التنظيم الأخرى، خُصِِّصَتْ بعض الغرف للشؤون الإدارية، وبعضها لاستراحة عناصر التنظيم، وأخرى لحفظ أغراض المعتقلين.

 

مخطط سجن الأحداث- متحف سجون داعش

 

أما التعديلات التي أجراها التنظيم على المبنى فقد شَمَلَتْ سدَّ شبابيك قاعات الاحتجاز، التي كان السجناء الأحداث سابقاً يلتقون زائريهم عبرها، إلى جانب بناء الأقفاص الحديدية في العراء، وإضافة المزيد من القضبان على شبابيك القاعات والأبواب بغيةَ تدعيمها، إذ يذكر بعض الشهود الذين التقيناهم سماعهم أصوات ورشات الحدادة طوال فترة سجنهم.

من ناحية أخرى طرحت الفترة الوجيزة لاعتماد التنظيم المبنى كسجن تحدّياً كبيراً في وجهنا أثناء عملنا على دراسة تفاصيله، وتحديداً في ما يتعلق بِتَبْيان أقسام المبنى الداخليّة ووجهات استعمال كل غرفة من غرفه.

ففي سجون التنظيم الأخرى غالباً ما شكّلت العبارات والأسماء المُدوَّنة على الجدران وثائقَ منسيّة، وبقايا أدوات التعذيب االباقية مُعلّقةً على الجدران والسقوف دلائل مُهمّة لفهم استعمالات الغرف. لكن جدران سجن الأحداث لم تقدّم لنا الكثير من الدلائل التي يمكن الركون إليها في تحليل السجن، كما أنّ الإجراءات الأمنيّة المشدّدة التي فُرضت على المُعتقَلين، مثل عصب أعينهم ومنعهم من رؤية ما يجري حولهم، شكّلت مُعَوِّقاً آخر أمام الشهود الذين لم يتمكنوا من رسم صورة وافية عن المكان، خصوصاً في ما يتعلق بغرف التحقيق والممرّات.

من جانبٍ آخر كان لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أنّ المبنى الذي نتعامل معه بالدراسة والتحليل هو سجن في الأساس، وبالتالي كان مهماً بالنسبة إلينا التمييز بين التجهيزات التي وُجِدت في السجن قبل سيطرة التنظيم عليه، وبين ما أضافه هذا الأخير في سياق تهيئة المكان.

رسم توضيحي لسجن الأحداث بعد سيطرة تنظيم الدولة عليه (متحف سجون داعش)

 

تصنيفات المُعْتَقلين

خصّص التنظيم سجن الأحداث لِمَن اعتَقلهم بِتُهَمٍ أمنيّة، وعليه، فإنّ أغلب الذين دخلوه كانوا مِمَّن اتّهمهم بالتخابر أو العمالة لصالح أعدائه، إلى جانب السياسيّين والضباط السابقين والصحافيّين.

اعتمد التنظيم في تحديد المُتَّهمين وجمع المعلومات عنهم على خلاياه النائمة وعلى شبكة مُخبريه التي اخترقت النسيج الاجتماعيّ كما كان عليه في مدينة الموصل قبل سيطرته عليها، وعملت بشكلٍ سريّ على تكوين قاعدة بيانات كبيرة ساعدته على التحرّك سريعاً، والبدء بحملة اعتقالات واسعة منذ أيامه الأولى في المدينة، إذ أشار معتقلون سابقون وثقنا شهاداتهم إلى أنه اكتظّ بمئات المتَّهمين.

اعتُقِل نايف أحمد حسن في 29 حزيران/يونيو في “الأحداث” مدّةَ 12 يوماً، وذلك بسبب دفاعه عن الشرطة العراقية في حديثٍ له مع أحد معارفه. يذكر أحمد أَنَّه وجد بين المعتقلين الذين التقاهم في السجن شقيق قائد شرطة نينوى، إلى جانب صحافيّين وشيوخ عشائر وأَنْسِباء لِسياسيّين عراقيّين.

ويشير صدّام حازم مطر، الذي سُجن في الأحداث مدة 19 يوماً بتهمة التخابر والعمل سابقاً كَموظّف في وزارة الداخلية، إلى أن غالبيّة المعتقلين معه كانوا موظّفين ومُحامين وضبّاطاً سابقين.

كذلك محمد العطّار، الدكتور في الفقه الإسلاميّ الذي اعتُقِل في سجن الأحداث لرفضه مبايعة التنظيم والعمل لصالحه كَمشرِّع، وقضى فيه 30 يوماً من أصل 105 أيام تنقّل في خلالها بين عدد مِن سجون التنظيم. في شهادته يذكر العطّار بدقّة عَدَد المعتقَلين في قاعته، وهي القاعة التي قُصفت في وقتٍ لاحق. فيقول إنّه يوم دخوله في 14 تموز/يوليو كان هناك 148 سجيناً، وفي 6 آب/أغسطس وصل العدد إلى حوالى 166. ويذكر أنّ معظم المحتجزين كانوا ضباطاً في الشرطة المحليّة والاتّحادية، إلى جانب مرشحين للانتخابات ومُتَّهمين بالتخابر. ومِنَ المعتقلين الذين ذكرهم العطّار موظَّف في بلدية الموصل، احتجزه التنظيم لرفضه تسليم خرائط المدينة.

إضافةً إلى المعتقَلين السياسيّين، شكّل المتهموّن بكونهم “روافض”[7] (شيعة) أو “شبك”[8] نسبة كبيرة من معتقَلي السجن. وقد اقتيد هؤلاء من مختلَف مناطق مدينة الموصل وتحديداً من نينوى الشرقيّة، وضمنها منطقة الطوافة وكراج الشمال، إلى جانب قرى مدينة تل أعفر في شمالي غربي العراق. وتتضمن الشهادات التي وثّقناها مقابلات مع خمسة معتقَلين سابقين في سجن الأحداث لأسباب تتعلق بمذهبهم الدينيّ.

صباح جاسم المحمد (1956) اقتيد مع ابنَيْه وابنته من منازلهم بسبب زواج الابن، رائد، من امرأة شيعيّة المذهب، وبسبب توزيع شقيقته طبق “الهريسة” كنوع من “النذر الديني”، وهي ممارسات كانت كافية لاقتياد أفراد العائلة السنيّة في الأصل، إلى جانب عدد من جيرانهم إلى السجن بوصفهم متشيّعين[9]. كذلك وجّهت إلى العائلة فيما بعد تهمٌ إضافية مثل إقامة علاقات طيبة مع عسكريّين في الجيش.

في سياق مشابه اعتقل ثامر إلياس حسين سبعة أيام، مع أمه وزوجته وأطفاله، بتهمة اتِّباع المذهب الشيعيّ. ومع أنّهم كانوا شيعة بالفعل إلّا أنّهم تمكّنوا من إخفاء ذلك، ولم يخرجوا من سجن الأحداث إلا بعد وساطة وتدخّل أبناء منطقتهم الذين أخفوا عن التنظيم حقيقة مذهبهم.

أما في ما يتعلّق بالنساء، فتُفيد الشهادات المذكورة سابقاً، والموَثَّقة في “متحف سجون داعش”، أنّ السجن تضمّن بالفعل أقساماً خاصة لِسَجْن النساء، لكننا لم نتمكن من إجراء مقابلة مع إحداهن في خلال عملنا على هذا التّحقيق، للتَّعرُّف على أماكن وظروف احتجازِهنّ.

التحقيقات وأشكال التّعذيب

تُجمع الشهادات التي وثّقناها أن عدداً من العناصر الأجانب تولّوا التحقيقات في سجن الأحداث إلى جانب المحقّقين العراقيّين، إذ تمكّن المعتقَلون من تمييز الأجانب من طريقة نطقهم وتكلّمهم بالعربية الفصحى.

في الغالب كان المُعتَقلون يُكبّلون ويُعلّقون بمجرّد إدخالهم إلى قاعة التّحقيق، كما أُرغِم عددٌ كبيرٌ منهم على البقاء جاثياً على الأرض أثناء استجوابه. وتباينتْ إجابات المعتقَلين حول ما إذا كانت جلسات التحقيق مصّورة، فعلى ما يبدو سجّل رجال التنظيم أحياناً بعض الجلسات المحدّدة لعرضها لاحقاً على القاضي الذي لم يكن متواجداً في السجن طوال الوقت.

من ناحية أخرى تعدّدت أساليب التحقيق وتنوَّعت الأسئلة المطروحة على الفئتَيْن الأساسيتَيْن من المعتقلين، أي فئة المعتقَلين السياسيّين المتهمين بالتخابر، وفئة المتهمين بكونهم شيعة.

فمع المُتَّهمين بالتخابر سعى التحقيق، بطبيعة الحال، إلى الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن شخصيّات سياسيّة أو عسكريّة متواجدة في المجتمع الموصلي.

يذكر الشاهد صدّام حازم مطر أن التحقيق معه هَدَف إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الضباط والمُنتسبين ورجال الشرطة الذين يعرفهم، كما سُئل أيضاً عن صلاتهم وعما يمتلكونه من أسلحة. فقد وجّه المحقّقون إلى صدّام أسئلة دقيقة حول أشخاص معينين أرادوا معرفة معلومات عنهم، من بينهم شقيقه الذي كان يعمل في وزارة الداخلية في حينه. وإذ رفض الإفصاح عن أي معلومات تعرّض للشبح والجلد، ما سبّب له كسراً في مشط القدم وخلعاً في الكتف.

في ما يتعلق بالفئة الثانية، أي المعتقَلين لأسباب دينية، أخذ التحقيق طابعاً أكثر عموميّة وعشوائيّة، وكان الهدف منه أحياناً سبر معلوماتهم الدينيّة والتأكد من مذهبهم الحقيقيّ، إضافة إلى جمع أكبر قدر من المعلومات العامة عنهم وعن عائلاتهم ومعارفهم.

كما أنّ التحقيق مع هذه الفئة أُجرِيَ غالباً بشكلٍ جماعيّ، فصباح جاسم محمد مثلاً، ومعه ابناه رائد ومهند، وجارهم فارس مروان زيادة، المُعتقل بتهمة التخابر ولأسباب مذهبية، حُقِّقَ معهم بالتوازي وفي وقت واحد. وكثيراً ما استغلّ المحققون صلة القرابة بينهم أو المعرفة الشخصية من أجل ترهيبهم ودفعهم إلى الاعتراف. فقد أوهموا رائد ومهند مثلاً أنّ صديقهم فارس مات جرّاء إطلاق النار عليه، كما عُذِّبا هما نفسَيْهما على مرأى مِن والدهما.

يذكر رائد أن تعذيبه شمل أيضاً إحداث ثقوب في قدَميه بواسطة مِثقب كهربائي، وكان قد خضع قبل ذلك بأشهر قليلة لعملية تبديل شرايين الساق. آثار هذا النوع من التعذيب ما تزال ظاهرة عليه حتى تاريخ إعداد التحقيق، وهو مهدد بالإصابة بـ”الغرغرينا” جرّاء مضاعفات التعذيب.

إلى جانب كلّ ما تقدم ذكرت الشهادات التي وثّقناها أنّ التعذيب الذي واكب جلسات التحقيق تضمّن أيضاً صعق الأعضاء الجنسية بالكهرباء، وقلع الأظافر وإدخال أداة مسننة في الشّرج، وغيرها من أدوات تركت معظم السجناء يعودون إلى زنازينهم محمولين وغارقين في دمائهم.

اسم الأداة وظيفة الأداة
مثقب كهربائي إحداث ثقوب في أجزاء من الجسد مثل القدمين
كابلات- مواسير مياه- عصي الجلد في مختلف أنحاء الجسم
صعق بالكهرباء صعق أجزاء مختلفة من الجسم تتضمن الأعضاء التناسلية
كمّاشات، كلّابات، ملاقط قلع الأظافر
خشبة مصالبة- سلاسل معدنية تعليق وشبح المعتقلين مع جلدهم في الوقت نفسه.
أداة مُسنَّنة تُدخَل في الشرج

جدول يوضح أبرز أدوات التعذيب في سجن الأحداث

 

أجريت جلسات التحقيق والتعذيب بعد التأكُّد من عصب الأعيُن بشدّة، حتى أنّ عناصر التنظيم وضعوا أقنعةً أو أكياساً عندما اكتشفوا أنّ قماش العُصابة لا يكفي لحجب الرؤية. وبناءً عليه اعتمد فريقنا، لتحديد مواقع قاعات التحقيق وأماكن التعذيب، على تفاصيل ذكرها المعتقلون في شهاداتهم، مثل وجود شرفة أو حديقة صغيرة بجانب القاعة، أو وجود حمام قريب جلب منه رجال التنظيم الماء أحياناً ليسكبوه على جروح المعتقَلين، إضافة إلى وجهات سيرهم وكيفية تحرّكهم ضمن المبنى، مع احتساب عدد الخطوات التي قطعها المُعتقل تقريبيّاً من قاعة احتجازه وصولاً إلى غرفة المحقّقين مثلاً.

رسم توضيحي لبعض أساليب التعذيب في سجن الأحداث (متحف سجون داعش)

 

البنية والأَحكام والعلاقة بسائر سجون التنظيم

تشكّل الهيكل الإداري في سجن الأحداث، على غرار سائر السجون الأمنيّة التي أسَسها التنظيم في العراق وسوريا، مِنْ القضاة والمحقّقين، وعدد من السجّانين الذين تولَّوا تسيير أمور السجن مثل توزيع الطعام على المعتقلين واستلام أماناتهم، واقتيادهم من وإلى جلسات التحقيق.

 

المنصب لقب رجل التنظيم
قاضٍ أبو دجانة \ سعودي
قاضٍ أبو زيد
محقِّق أبو هاجر
محقِّق أبو نزار
محقِّق ع. س.
سَجّان أبو عائشة
سَجّان أبو حديد
سَجّان أبو رعد
سَجّان محمد أبو مصعب
سَجّان أبو طلحة (طلحت)
سَجّان أبو جبل
المسؤول عن تأمين الطعام أبو البراء
مسؤول مفرزة الموت أبو برزان

جدول بأسماء بعض عناصر التنظيم في سجن الأحداث كما وردت في الشهادات التي جمعناها

 

في ما يتعلق بالقضاة الشرعيين الذين تولّوا النظر في قضايا المُعتقَلين وإصدار الأحكام بحقّهم، لم يتمكّن فريقنا من الحصول على معلومات وافية عنهم. عرفنا مثلاً أنّ أحدهم كان عربيّاً يتكلّم بالفصحى وآخر عُرف بلقبه “أبو زيد”. كما يبدو أن القضاة لم يتواجدوا في السجن إلا في أيامٍ محدَّدة، لهذا عمد المحقّقون أحياناً إلى تسجيل جلسات التّحقيق لعرضها لاحقاً على القضاة.

أما المحقِّقون فقد تعدّدوا، وكانوا في الغالب يُشاركون جميعاً في جلسات التحقيق لأن معظم الشهود ذكروا سماع أصوات عدّة أشخاص عند استجوابهم. كان بعض المحقِّقين من جنسيّات عربيّة، سعودية ويمنيّة وليبية، وعاونهم محقّقون محليّون من أبناء الموصل. ومن ألقاب المُحقِّقين التي تكرّرت “أبو نزار” و”أبو هاجر”.

بالنسبة إلى السجّانين عُرفَتْ ألقابُ بعضهم مثل “أبو رعد”، و”أبو جبل”، و”أبو حديد” الذي اشتُهر ببنيته الجسديّة الضَّخمة، و”أبو البراء” المسؤول عن توزيع الطعام على المساجين.

من ناحية أخرى، ومع أنّ سجن الأحداث احتلّ مكانةً مهمّة ضمن الجهاز الأمني الخاص بالتنظيم في مدينة الموصل، لكنه ما كان سوى واحدٍ من شبكة سجون ومراكز أمنيّة أخرى أسّسها تنظيم الدولة في المدينة، وكانت العلاقات معها وتَنْقيل السجناء في ما بينها على مستوًى عالٍ من التنسيق. كما أنّ قياديّي التنظيم ومشرّعيه قد تنقلوا بين بعض هذه المراكز تبعاً للحاجة. فبعد حادثة قصف مبنى الأحداث مثلاً نُقل معتقَلوه إلى سجون أخرى ليمثلوا فيها أمام قضاة آخرين قبل إطلاق سراحهم.

تُظهر الشهادات الـ 11 التي جمعناها تقاطعاً وتشابهاً كبيرين في حركة المعتقلين من وإلى سجن الأحداث، وإجراءات نقلهم إلى مراكز أمنيّة أخرى، خصوصاً إلى سجن “القائمقاميّة”، الذي سيطر التنظيم عليه بعد سبعة أيام من دخوله الموصل وعلق عليه لافتة كُتب عليها: “المحكمة الشرعيّة” إذ كان القائمقام سجناً وهيئةً قضائية في الوقت ذاته.

إلى جانب سجن “القائمقاميّة” ارتبط سجن الأحداث بسجون أمنية أخرى للتنظيم، أحدها كان في القسم الأيمن من المدينة بالقرب من جسر الحرية وعُرف بـ “سجن جمعية المحاربين القدماء”، وآخر اسمه “سجن المبنى القديم لبلدية الموصل”. كما أنّه كان هناك مراكز توقيف عديدة هي في الأصل بيوت لمدنيّين سيطر عليها تنظيم الدولة وبقيت مجهولةً بالنسبة إلينا، فعلى ما يبدو أنّ التنظيم، ونتيجة الاستهدافات المتكررة للمباني الحكومية أو المعروفة، تحوّل إلى البيوت العاديّة في الموصل لِيعتمد بعضَها كسجونٍ سريّة.

كان بعض السجناء يُعتقلون من منازلهم ويساقون مباشرةً إلى سجن الأحداث، فيما جرى التحقيق مع آخرين في سجن القائمقاميّة أولاً قبل تحويلهم إلى “الأحداث”.

ويتكرّر الأمر نفسه عند إطلاق سراح المعتقلين. فالبعض أطلق سراحه من السجن مباشرة مثل الشاهد صّدام حازم مطر الذي خضع للتحقيق أمام قاضٍ شرعيّ في الأحداث، وعوقب بالجلد قبل إطلاق سراحه، فيما حُوّل سجناء آخرون مجدّداً إلى سجن القائمقاميّة لينظر القاضي الشرعي هناك في قضاياهم قبل إطلاق سراحهم.

روى بعض الناجين من قصف سجن الأحداث الذين نُقِلوا بعدها إلى سجن القائمقاميّة، أنّ شائعة انتشرت في ذلك الوقت بين السجناء مفادها أنّ زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، أصدر بعد علمه بقصف الأحداث، عفواً ينصّ على إطلاق سراح من لم تثبت عليه التّهم وعلى إعادة النظر في أحكام الإعدام الصادرة في حقّ سجناء الأحداث. قيل أيضاً إنّ البغدادي فوجئ بعدد الموقوفين الكبير وأقال جراء ذلك أحد القضاة السعوديّين وبعض معاونيه مِمّن تولّوا إدارة سجن الأحداث. لكن ليس ما يؤكّد صدورَ عفوٍ من هذا النوع.

لكن المؤكد أننا لمسنا في الشهادات التي وثّقناها نوعاً من اللين المتأخر وغير المتوقع الذي أبداه القضاة في القائمقاميّة تُجاه بعض المعتقلين، إذ قرروا بصورة مفاجئة إسقاط التهم عنهم لغياب الأدلّة الكافية. يذكر فارس مروان زيادة مثلاً أن القاضي قال له: “عفا الله عما مضى” قبل إطلاق سراحه، ويبرّر الشاهد ذلك بصدور عفو البغدادي المذكور.

وكذلك يصف فدعم خزعل علي، المعتقَل بتهمة التخابر، أن القاضي قرّر إطلاق سراحه بعدما ادّعى أنّ الشهود الذين اتهموه لم يأتوا إلى المحكمة لعرض أدلتهم “ما يثبت أنهم كاذبون وفدعم صادق”. وبالتالي أُطلِق سراحه بعدما أقسم القاضي أمامه بأنه سيأتي بشهود الزور ويعاقبهم جراء توريطه بتهم كاذبة.

من ناحيةٍ أخرى لعبت الوساطات العشائرية والمحليّة أيضأ دوراً في خروج عدد من المعتقَلين سالمين، وتحديداً فيما يتعلق بالموقوفين بسبب مذهبهم. فأمير الأصغر يذكر في شهادته أنّ إطلاق سراحه ومن معه من أهل المنطقة جاء بعد وساطة عشيرة “الجوارين”، وبعد أن صلّى أمير أمام القاضي لتأكيد مذهبه (السنّي) قبل إطلاق سراحه. وبالطريقة نفسها جاء خروج صباح جاسم وابنيه، بوساطات محلية من منطقة الطوافة التي يسكنون فيها.

لكن الأمر اختلف بالنسبة إلى الموقوفين بتهمٍ ذات طبيعة سياسية مثل التخابر، إذ أُطلِق سراح بعضهم بعد دفعهم غرامات مالية نقدية أو عينية. فعلي أحمد حسن، الموقوف بتهمة التخابر، خرج بعد مصادرة التنظيم سيارته، أما نايف أحمد حسن، المتهم بالتكلّم ضدّ رجال التنظيم وبالتعاون مع الشرطة العراقية، فقد خرج بعد دفع غرامة بلغت 800 ألف دينار عراقيّ (ما يُعادل 686 دولاراً أمريكيّاً) وهي قيمة ثمن بندقيّة في ذلك الوقت (العام 2014).

“مفرزة الموت”: فرقة الإعدامات في الأحداث

كما في سائر سجون التنظيم الأمنيّة في سوريا والعراق، حُكم على الكثير من معتقَلي الأحداث “الخطرين” بالموت. وقد روى بعض الشهود من المعتقلين أنّهم سمعوا أثناء التحقيق معهم أصوات إطلاق رصاص أراد بها رجال التنظيم إخافتهم بإيهامهم أنهم قتلوا أحد أقاربهم أو معارفهم. لكن تبقى هذه حوادث فرديّة، إذ إنّ الإعدامات الحقيقيّة أو “الرسميّة” كانت تُنفَّذ عادةً في أماكن أخرى عامّة خارج السجون .

اقتيد الكثير من المعتقلين من سجن الأحداث إلى جهات مجهولة، ولم يعودوا أو يُعرف مصيرهم. وقد أجمعت الشهادات على أنّ مجموعةً من عناصر التنظيم، عُرفت داخل السجن باسم “كتيبة الموت” أو “مفرزة الموت” أو “فرقة الإعدامات”، تولّت تنفيذ الإعدامات خارج السجن.

تحدّث المعتقل السابق محمد العطار في شهادته عن تلك المجموعة، مشيراً إلى أنّ عناصرها كانوا يأتون بعد منتصف الليل بقيادة شخص مُلَقَّب بـ”أبي برزان”، وهي مؤلَّفة من أُسرَة واحدة (ابن أبو برزان وزوج ابنته وأحد أقربائه)، ويُضيف “عندما يُفتح الباب ونرى أبو برزان كنا نصاب بالذهول ونبقى صامتين منتظرين أن يخرج من جيبه قصاصة ورق صغيرة يقرأ فيها أسماء من سيُؤخذون للإعدام”.

مع الأيام، استنتج المعتقلون أن من تقتاده مجموعة “أبي برزان” يكون مصيره الموت وليس النقل إلى سجن آخر. فهم لاحظوا أنّ الكتيبة تُقيِّد أيدي المحكومين بالقتل برباطات بلاستيكيّة. وقد رجّح السجناء أنّ عناصر المفرَزة فضّلوا استعمال هذا النوع من القيود عند الإعدامات، كي لا يضطروا إلى فكّها أو استرجاعها من أيدي المعتقلين بعد قتلهم، خصوصاً إذا ما نُفِّذ الإعدام رمياً بالرصاص عند الخسفة، وهي حفرة جيولوجية عميقة تقع على بعد 20 كيلومتراً تقريباً إلى الجنوب من الموصل، ويُعتقد أنها أكبر المقابر الجماعية في العراق.

وكان التنظيم قد نشر في سنوات سيطرته على الموصل، قائمة تضمّنت أسماء 2070 شخصاً أُعدِموا ورميت جُثثهم في هذه الحفرة بالذات[10]. كما يذكر العطّار سماعه اسم الخسفة من “أبو جبل” أحد أعضاء “مفرزة الموت”، مشيراً إلى أن ثياب السجّان كانت أحياناً تبقى ملوثة بالدماء حتى في الصباح، بعد عودته من تنفيذ الإعدامات ليلاً.

في ذات السياق، يُقدم فدعم فزعل علي المعتقل في قاعة أخرى من الأحداث، غير تلك التي احتجز فيها محمد العطار، أوصافاً مشابهة تكاد تنطبق على هذه المجموعة، فيقول إنّ بعض أفرادها كانوا بالفعل يأتون صباحاً وآثار الدم ما تزال تغطي ثيابهم. ويذكر من أسماء أفراد هذه المجموعة “أبو عائشة” و”أبو جبل” و”أبو حديد”.

رسم تعبيري لعناصر من “مفرزة الموت” يقودون معتقلين للإعدام (متحف سجون داعش)

 

يوميات الأحداث: إهمال وذكريات مؤلمة

كما في باقي السجون الأمنيّة، عاش معتقلوا الأحداث في قاعات التوقيف الجماعيّة في قلقٍ وتوجّس منتظرين اقتيادهم إلى التحقيق نهاراً أو إلى الإعدام ليلاً. وفي حالة الريبة والشك السائدة بين السجناء، تكتلوا وتجمّعوا ضمن حلقات مغلقة وكانوا يتكلمون همساً في غالب الأحيان، لتجنب إغضاب السجانين.

يقول ثامر إلياس حسين واصفاً حالة التوجس والانغلاق التي سادت علاقة المساجين، “منذ أن عرفوا أننا شيعة، تجنب الآخرون الاقتراب منّا، كما لو أننا منبوذون أو مصابون بالجرب”. أما المعتقل محمد العطّار فتحدّث بدوره عن التوترات التي ظهرت بين كبار السن والشبان الصغار داخل المهجع، أو الخلافات بين المعتقلين على قضايا تتعلق بإهمال النظافة، وتحديداً نتيجة اليأس الذي جعل البعض يهملون الاستحمام أو الاغتسال.

لكن التوترات الطارئة في نظر العطّار لم تمنع السجناء من التقارب والتصرف أحياناً كـ “أطفال يخترعون ألعاباً” من شأنها أن تخفّف عنهم ثقل الوقت في المهجع. ونتيجة التعذيب الشديد، خُصصت في بعض القاعات زاوية محددة يستلقي فيها المصابون، بينما يتولّى باقي السجناء مهمة الاعتناء بهم وتضميد جراحهم، بما توفّر من ماء وقطع ثياب ممزّقة.

محاكاة لقاعة الاعتقال في سجن الأحداث خلال سيطرة تنظيم الدولة عليه (متحف سجون داعش)

محاكاة لقاعة توقيف في سجن الأحداث قبل سيطرة تنظيم الدولة عليه (متحف سجون داعش)

 

خرج السجناء الناجون من الأحداث بحكايات مؤلمة لم تبارح ذاكرتهم. فنايف أحمد حسن يتذكّر مثلاً كيف شاهد من فتحة الشباك رجلاً اشتعل جسده بالنار إثر القصف. واستطاع الرجل الخروج من القاعة والركض على سقفها المهدم لكن رجال التنظيم أطلقوا النار عليه.

أما علي أحمد حسن فيذكر قصّة شقيقين اعتقلهُما التنظيم لاعتناقِهما المذهب الصوفي. فيما بعد خيرهما القاضي بإطلاق سراح أحدهما مقابل إعدام الآخر، فاختار أحدهما الموت كي يتسنى لشقيقه العيش والاعتناء بأسرته وبناته. يذكر علي أن الشقيق الناجي من الإعدام كان شيخاً حسن الصوت وظلّ يرتل القرآن ويبكي شقيقه قبل إطلاق سراحه.

من جانبٍ آخر، شكلت أيام رمضان الثلاثين، وما تلاها من أيام عيد الفطر الثلاثة، جزءاً من عمر سجن الأحداث الذي دام 46 يوماً. كان لذلك أثر على حياة السجناء اليومية، فعلى صعيد الطعام تلقى سجناء الأحداث في خلال رمضان وجبتين فقط، سحور مؤلّف من الجبن والخبز أو العدس، وإفطار مكوّن من الأرزّ والمرق مع قطع من الدجاج أحياناً.

يرجح المعتقلون في الأيام الأولى من تأسيس السجن أن الوجبات كانت تأتي من المشفى الجمهوري، مغلّفة ومقسّمة على حصص يتشارك في تناولها شخصان أو ثلاثة، وبالتالي فالكميّات لم تكن مشبِعة. ويذكر المعتقل السابق فدعم خزعل علي أن الكبار في السن والمرضى المُقليّن في الطعام كانوا يتنازلون له أحياناً عن جزء من حصّتهم. أما الماء فوزّع في الغالب على المعتقلين في عبوات صغيرة مع وجبات الطعام.

وفيما يخصّ المرافق الصحية، عانى السجناء أحياناً من شح الماء وانقطاعه، وكانوا يؤمرون عند حصول ذلك بالتيمّم عبر مسح أيديهم بالجدران. كذلك شهدت الحمامات أحياناً طفحاً وانسداداً. لكن مع ذلك يمكن القول إنّ الماء ومواد التنظيف توفّرت إلى حدٍّ ما في الأحداث، وكذلك إمكانية الاستحمام عبر تنظيم أدوار لذلك، لأن الازدحام على المرافق العامة كان شديداً، خصوصاً وقت الوضوء وبعد وجبات الطعام.

فيما يتعلق بالعناية الصحيّة ذكر شاهدان ممَّن التقيناهم قدوم مضمِّد (ممرض) إلى قاعتهما لمرة واحدة، في حين أجمع باقي المساجين على الغياب التام لأي شكل من أشكال الرعاية الطبيّة داخل السجن، حتى فيما يتعلق بمرضى القلب أو الربو.

قصف السجن: موت ونجاة

كما ذُكر في مواضع مختلفة من هذا التقرير، شكّل نهار 6 آب/أغسطس تاريخاً حاسماً بالنسبة إلى سجن الأحداث والمعتقلين فيه، بعد ضربات نفذتها قوّات التحالف الدولي عليه أدّت إلى إغلاقه.

يروي معتقَلون واكبوا القصف، أنّ الصواريخ التي سقطت على السجن وقع أحدها على منزل قرب حافة السور من جهة نهر دجلة، فيما استهدف الصاروخ الثاني قاعة التوقيف الرقم 1، والتي كانت متصلة بممرّ مع الأقفاص الحديدية المنصوبة في العراء. وبالتالي فضحايا السجن تركزوا في قاعة التوقيف والأقفاص إلى جانب قاعة ثالثة استخدمها في الغالب رجال التنظيم أنفسهم كغرفة استراحة أو مكتب إداري.

تقدم الشهادات التي جمعناها اختلافات طفيفة في تحديد الساعة الدقيقة التي حصلت فيها الضربة، لكنها تتقاطع على أنها وقعت إثر إتمام المعتقلين صلاة الفجر وعودتهم إلى النوم.

في هذا السياق تشكل شهادة نشوان محمد كامل، المعتقل بتهمة الهجوم على مفرزة للتنظيم، والناجي من داخل القاعة المقصوفة، مصدراً مهماً لتصوير لحظات الرعب التي عاشها الناجون القلائل الذين خرجوا أحياء من هذه القاعة. فنشوان كان قد أنهى صلاة الفجر لكنه لم يستطع النوم بسبب سعال رجل ينام إلى جانبه وسط القاعة. لهذا طلب من أحد السجانين الذين جاؤوا لتفقد أوضاع المساجين تغيير موقعه إلى زاوية قصية من الغرفة وهذا ما أدّى إلى نجاته. “شعرت بالأرض تهتز من تحتي، فتحت عيني فلم أرَ سوى الظلام، استنشقت رائحة الغبار والبارود وسمعت أصوات العويل والصياح”، يقول نشوان عن اللحظات الأولى من القصف.

رسم توضيحي لانتشار عناصر “داعش” خلال إفراغ سجن الأحداث من المعتقلين بعد قصفه (متحف سجون داعش)

 

بعد ذلك يقول الشاهد إنّ الركام غطّاه، لكنه استطاعَ تحريرَ جسده وتوجه بصعوبة نحو فتحةٍ من الجدار يتسلل عبرها الضوء بصحبة عدد قليل من الناجين الآخرين، “جميع من في القاعة ماتوا، إلا قلة، شققت طريقي فوق الأنقاض وأجساد الضحايا”. يؤكد نشوان أن بعض المصابين بقوا في القاعة تحت الركام، ولم يعرف بعدها مصيرهم، أو إذا ما أسعفهم رجال التنظيم في وقتٍ لاحق، لكن قيل في ذلك الوقت إن بعض المصابين نقلوا إلى المشفى الجمهوري.

بعد القصف، بادر رجال التنظيم إلى إخراج نشوان وناجين آخرين نحو بيت قريب من السجن يعود لعائلة “العاني”، حيث تمكن الرجال من غسل وجوههم وعيونهم قبل تحويلهم إلى سجن “دار الضيافة”. وهناك أحضروا لهم لاحقاً ملابس داخلية وطعام، قبل نقلهم أخيراً إلى سجن القائمقامية.

أمّا المعتقلون في القاعة الثانية المجاورة فعاشوا بدورهم رعباً لا يقل شدّة، لأن رجال التنظيم تركوا منطقة القصف خوفاً من ضربات أخرى محتملة، وبالتالي ظلّ المعتقلون محاصرين وراء باب مقفل من دون أن يستجيب أحد لمناشداتهم بفتح الأبواب وإخراجهم.

يُشارك أمير الأصغر مشاهداته، عبر شباك هَدمتْ الضربة جزءاً منه، ما أتاح له مشاهدة القاعة المقصوفة، “شاهدت السقف بعد أن سقط بالكامل على الضحايا، وميّزت أشلاءً طارت وسقطت في الممر والساحة الخارجية التي تفصل بين القاعتين”.

عندما تأكّد رجال التنظيم أن الخطر قد زال بعد ساعات من القصف، عادوا للبدء في عمليّات إجلاء المساجين. فبادروا إلى فتح باب القاعة المغلقة ودخلوها مدجّجين بالسلاح، رموا بعد ذلك الأصفاد، وأمروا كل سجينين أو ثلاثة بتقييد أنفسهم استعداداً للإجلاء.

تقدّم الشهادات التي جمعناها روايات متشابهة للحظات الإجلاء وما رافقها من بلبلة وخوف ساد بين رجال التنظيم الذين انتشروا في كل مكان، وتحديداً على أسطُح المبنى. وجد المعتقلون عدداً من الباصات والسيارات المركونة في ساحة السجن، وأمروا بالصعود إليها مع محاولة ضبط حركتهم ومنعهم من الفرار. يقول رائد صباح جاسم الذي خسر أربعة من أصدقائه في القاعة المقصوفة إن رجال التنظيم اتهموا السجناء بنشر وتسريب إحداثيات السجن عبر الـ “جي. بي. إس. GPS” ما مهّد لقصفه.

في المحصلة، وفي ما يتعلق بأعداد الضحايا، ادعى تنظيم الدولة أن القصف أدّى إلى مقتل 96 سجيناً حرقاً، فيما لم يعلن عن عدد قتلاه، بينما قالت وسائل إعلام مقربة من الحكومة العراقيّة إن القصف أدّى إلى مقتل 60 من عناصر التنظيم، وأن نحو 300 من المحتجزين فيه تمكنوا من الفرار نتيجة الغارة[11].

بعد قصف السجن يرجح بأن المبنى ظل فارغاً ولم يعد التنظيم لاستعماله مرّة أخرى. أما بعد خروجه من الموصل في العام 2017 فقد أُهمل المبنى لفترة، ولاحقاً أُلحِق مجدّداً بوزارة العدل، التي مِن المتوقّع أن تحوّله مخازن لها أو أن تهدمه وتحولّه مجمعاً سكنيّاً خاصّاً بموظّفيها.

محاكاة لباحة السجن بعد تعرضه للقصف ومقتل بعض المعتقلين وإجلاء آخرين (متحف سجون داعش)

 

 

  1. الدونم في العراق يعادل 2500 مترٍ مربع، بخلاف بلاد الشام حيث يعادل ألف متر.
  2. . يُعرّف قانون رعاية الاحداث رقم (76) الصادر في العام 1983 في المادة العاشرة منه “دار الملاحظة” بأنه “مكانٌ معدٌ لتوقيف الحدث بقرار من المحكمة أو السُلطة المُختصة ويجري فيها فحصه بدنياً وعقلياً ودراسة شخصيته وسلوكه من قِبل مكتب دراسة الشخصية تمهيداً لمحاكمته”.
  3. . حصلنا على هذه المعلومات من مقابلتين أجراهما فريق البحث مع مدير سابق للسجن، ومع محامٍ كان يتابع شؤون بعض الموقوفين.
  4. . فُرِض الحصار الدولي على العراق بقرار الأمم المتحدة الرقم 661 الصادر في 6 آب/أغسطس العام 1990 كردٍّ على الغزو العراقي للكويت. ونصّ على إقرار عقوبات اقتصادية خانقة على العراق لإجبار قياديّه آنذاك على الانسحاب الفوريّ من الكويت.
  5. إثر حرب العراق انحدرت قيمة الدينار العراقي، ففي 1995 مثلاً كان الدولار الأمريكي الواحد يعادل 3000 دينار عراقي.
  6. . تنصّ المادة الرابعة من القانون على إنزال عقوبة الإعدام بحقّ “كل من يرتكب بصفته فاعلاً عملاً إرهابياً”، وبالسجن المؤبد لـ”كل من يخفي أو يتستّر على شخص إرهابي”، معطوفة على المادة الثانية والثالثة التي تؤكّد منع أي عمل يضعف من قدرة الأجهزة الأمنية أو يحمل في طبيعته عصياناً.
  7. . “الرافضة” أو “الروافض” هو مُصطلح قديم لتسمية أهل الشيعة الإثني عشرية، ويُعرف المصطلح بين عموم أهل السنة قديماً، أما حديثاً فتعتمده بعض حركات وجماعات الإسلام السياسي المُحافظة، كما يرد بشكل متكرّر في المنشورات الإعلاميّة الترويجيّة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
  8. . الشبك هم أقلّية عراقيّة، تقطن في أكثر من 60 قرية في محافظة نينوى (سهل نينوى)، وأغلبهم يتكلّم اللغة الشبكيّة الباجلانيّة القريبة من اللهجة الكورانيّة.
  9. هناك تفريق بين الأشخاص الذين يدينون في الأساس بالمذهب الشيعي، وبين من تحولوا إليه من المذهب السني أو مارسوا طقوساً أو ممارسات دينيّة مرتبطة به.
  10. يمكن هنا الإطلاع على تقرير نشرته قناة الجزيرة حول هذه مقبرة الخسفة
  11. . انظر: “غارة جوية في الموصل تقتل “عشرات” من “الدولة الاسلامية””، موقع قناة بي بي سي عربي، نشر بتاريخ ٦ آب/أغسطس العام ٢٠١٤.