كان العام 2013 استثنائياً في الرقّة على مستوى التغيّرات الكبيرة والمتلاحقة التي شهدتها، إذ تبدلت خريطة السيطرة العسكرية بشكل كامل بعد وقوع المدينة بيد الفصائل المعارضة للنظام والكتائب الإسلامية، وهو ما أدّى بطبيعة الحال إلى تبدّل في النشاط المدني وطبيعته، ودوره في المجتمع، إضافة إلى تبدل أشكاله ووجهات عمله وأهدافه نتيجة الظروف الأمنية الطارئة.
لم تهدأ المدينة في ذلك العام الحافل بالأحداث، العسكرية منها والأمنية والمَدنيّة، فبينما كانت الفصائل المسيطرة حديثاً تحاول فرض نفسها على المجتمع تحت ستارٍ أمنيّ، توجّه الحراك المدني الثوريّ في مقاومتها إلى طرق مختلفة، إما بالمظاهرات والوقفات الاحتجاجية أمام مقرات الفصائل وسجونها، وإمّا بتفعيل المبادرات الخدماتيّة. كما برز في تلك الفترة صراع من نوع آخر على إدارة المدينة بين مجلسَيْن محليّيْن، لم يهدأ إلا عندما أوشكت الرقّة أنْ تتحوّل عاصمة “دولة الخلافة”.
استولت الفصائل على العديد من المباني العامة، وحوّلت بعضها إلى سجون، ولعلّ أبرز السجون في تلك الفترة كان سجن مبنى المحافظة، مقرّ “جبهة النصرة”، وسجن “الهيئة الشرعية” في الملعب البلدي، و”النقطة 11″ التابع لـ”دولة العراق والشام” في مبنى المرور، وسجن تابع لحركة “أحرار الشام” في مبنى المخابرات الجويّة.
ابتلعت هذه السجون الكثير من الناشطين المدنيّين، ولم يُعرف مصير مجموعة واسعة منهم حتى اليوم. ولذلك باتت رمزاً للخوف الذي بدأ ينمو عند سكان المدينة التي تحوّلت بيئة طاردة دفعت تدريجياً بأغلب العاملين في المجال المدنيّ، وغيرهم الكثير من المدنيّين، إلى مغادرة الرقّة.
سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل كامل على الرقّة في مطلع العام التالي، وبالتحديد في 13 كانون الثاني/ يناير 2014، وألغى بوجوده كلّ نشاط أو عمل مدنيّ، فرديّاً كان أم منظَّماً أم مُمَأْسَساً، كما أنهى وجود أيّ فصيل عسكري آخر. وإن كان التحوّل قد اتّخذ طابعاً عنيفاً ودموياً، إلا أنّه لم يكن مفاجئاً جدّاً، على اعتبار أنّ التنظيم قبل تفرده بالسيطرة كان موجوداً في الرقّة إلى جانب سائر الفصائل الإسلاميّة، ومارس، من خلال “هيئة شرعية” عمليّات خطف وسجن وتعذيب وتغييب، طالَتْ الناشطين المدنيّين وعناصر الفصائل المسلحة غير الإسلاميّة، أو المناهضة لرؤيتها المتشدِّدة ولابتعادها عن مسار الثورة السورية آنذاك.
يناقش هذا التحقيق بشكل أساسيّ طبيعة النشاط والمقاومة المدنيّة في الرقّة، كمشهدٍ مناقِض لما كان يجري في مقرات وسجون الفصائل الإسلاميّة إبّان سيطرتها على المدينة. وهو بطبيعة الحال يسلط الضوء على السياقات الأمنيّة والعسكريّة كممهِّدات أو مُعَوِّقات أو دوافع جديدة للحراك الثوريّ والعمل المدنيّ.
كما يتناول التحقيق قضيّة مجلس المحافظة المحليّ، الذي لعب دوراً موازياً في مجال العمل المدني، وهي القضيّة التي عكست، بما حملته من خلافات ومنازعات، صورةً عامة عن حالة عدم الاستقرار والتجاذبات الشديدة التي وسمت المدينة في تلك الفترة.
اعتمدنا في التحقيق على مجموعة كبيرة من الوثائق المصورة المحفوظة في أرشيف “متحف سجون داعش”، إلى جانب إفادات أكثر من 10 شهودٍ من الناشطين والناشطات المدنيين والعاملين في المجلس المحلي للرقة سابقاً، ومن المطّلعين على الشأن العسكري في المدينة، بالإضافة إلى تحليل معلومات المصادر المفتوحة والتسجيلات المرئية المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ينطلق التحقيق من استعراض سريع لواقع الرقّة في مرحلة ما قبل سيطرة الفصائل، أو مرحلة “التحرير” كما عبّر عنها الشهود الذين التقيناهم، في إشارة إلى انتهاء سيطرة قوات النظام السوري، ثم ينتقل إلى شرح واقع المدينة العسكري في العامين 2012 و 2013 كأساس شكّل دوافع سكان المدينة إلى المقاومة، ويتضمن ذلك عرضاً لأبرز التجمعات العسكرية العاملة فيها في تلك الفترة، وأدوارها، وصراعاتها، وأشكال تعدّيها على المال العام والمجتمع.
ثمّ يعرض التحقيق مجموعة من البيانات الخاصة عن الأفراد الذين اختطفهم التنظيم في العام 2013، ويقدم سلسلة من الفيديوهات التوثيقيّة لمظاهرات الناشطين المدنيّين ضدّ تعدّيات داعش وسائر الفصائل. بعدها يسلّط التحقيق الضوء على نشاط المنظمات المدنية، عبر جدول يستعرض أبرزها، ويشرح المحاولات التي بذلها المدنيّون للحفاظ على المال العام، في وجه انتهاكات الفصائل. كما يناقش أيضاً قضية المجلسَيْن المحليّين في الرقّة، وأسباب الخلاف بين القائمين عليهما، ومصيرهما.
يركّز القسم الأخير من التحقيق على فترة ما بعد سيطرة داعش على المدينة بشكل كامل، ويستعرض تجربة منصة “الرقّة تُذْبَح بصمت” كأحد أبرز الأصوات التي علت في وجه التنظيم حينَ أشاع الرعب في الرقّة لأكثر من ثلاثة أعوام.
انضمت شوارع الرقّة إلى الحراك الثوري المطالب بالحرية وإسقاط النظام السوري بعد أيامٍ قليلة مِن اندلاع الثورة السورية التي انطلقت في وجه نظام حكمٍ استبداديٍّ سيطر على الحياة السياسية والعامة لما يزيد عن أربعين عاماً.
اعتبرت مظاهرة “جمعة العزة” في 25 آذار/ مارس العام 2011، أولى التحركات السلمية لأبناء الرقّة الذين أبدى جزء منهم حماساً لأهداف الثورة، ورفعت المظاهرات الأولى شعارات الحرية والكرامة، وندّدّتْ بممارسات قوات الأمن والجيش التابعة للنظام السوري، ضدّ معارضيه.
في الأشهر اللاحقة تواصلت المظاهرات في الرقّة. وكما في غيرها من المدن السورية، كانت أغلبيّة التجمعات تنطلق من الجوامع مساء، أو بعد صلاة الجمعة. ونشطت مجموعات مدنية في الكتابة على الجدران. وتشكلت أيضاً مجموعة من التنسيقيّات مِن أجل توحيد العمل المدنيّ وتنظيم مواعيد المظاهرات والحشد لها. وكلّ هذه التحرّكات قابلتها قوات الأمن بالقمع.
وبرزت في تلك الفترة مجموعات من الناشطين المدنيين، استمر بعضها، حتّى ما بعد تحرير المدينة على يد الفصائل، في العمل على المستوى الخدميّ والمدنيّ والسياسيّ، لكن، وبحسب ناشطين أجرينا معهم مقابلات، لم يكن الحراك واسعاً في العام الأول للثورة بسبب قمع النظام وحملات الاعتقالات الواسعة التي طالت المتظاهرين والناشطين.
أخذ المشهد الثوري بالتصاعد إثر حادثة مقتل الشاب علي البابنسي[1] في مظاهرة نُظّمت في 15 آذار/مارس العام 2012، في الذكرى الأولى لانطلاق الثورة السوريّة، وشارك فيها مجموعة من طلاب المدينة. وردّاً على مشاركة المئات في تشييع الشاب، وتحوّل موكب التشييع إلى مظاهرات مندّدة بسلوك النظام القمعيّ، أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، ما أدّى إلى مقتل حوالى 14 منهم، بحسب توثيق المنظمات الحقوقية آنذاك. وبحسب ناشطين مدنيّين قابلْناهم، أدّت حادثة مقتل البابنسي، وما تبعها من عنف واعتقالات، إلى تراجع نسبة التظاهرات ضدّ النظام في المدينة في الأشهر اللاحقة. هذه التظاهرات ستستعيد زخمها في العام التالي، لكنْ ضدّ جهاتٍ أخرى.
كانت الرقّة في تلك الفترة، كما غيرها من المحافظات السورية، تحت سطوة مجموعة من فروع النظام الأمنيّة من مختلف الاختصاصات. وقد توزّعت هذه الفروع في مناطق مختلفة من المدينة بشكلٍ يوضح الطريقة التي أحكم بها النظام قبضته على المدنيّين.
وفيما يلي أبرز المَقارّ الأمنيّة والعسكريّة في مدينة الرقّة قبل العام 2013:
الفرع/ القسم | الموقع | التبعية |
فرع الأمن السياسي | حي هشام بن عبد الملك، قرب الجسر القديم | كان يتبع لشعبة الأمن السياسي في دمشق |
فرع المخابرات العامة/أمن الدولة | حي التوسعية | كان يتبع لإدارة المخابرات العامة في دمشق |
قسم الأمن العسكري | حي التوسعية | كان يتبع لفرع الأمن العسكري في دير الزور |
قسم المخابرات الجوية | شارع عدنان المالكي، أو ما يعرف شعبياً بشارع المجمَّع الحكومي، قرب حديقة الرشيد | كان يتبع فرع المخابرات الجوية في المنطقة الشرقية |
الشرطة العسكرية | دوار النعيم | كانت تتبع لإدارة الشرطة العسكرية في دمشق |
مركز تجنيد للجيش | حي التصحيح | |
المساكن العسكرية | حي الفرات |
في العام 2012 بدأت الفصائل العسكرية بالانتشار في ريف الرقّة، منها ما ارتبط بـ “الجيش الحرّ” الذي كان قد أُعلن عن تأسيسه في حزيران/يونيو العام 2011، ومنها ما كان ذا خلفية إسلامية جهادية، وأبرزها “جبهة النصرة”، و”أحرار الشام”.
انتهى الحراك العسكري بسيطرة الفصائل على الرقّة بالكامل، في آذار/مارس العام 2013، بعد سلسلة من المعارك أفضت إلى خسارة النظام مواقعه في المدينة، وانسحاب جميع قواته. وبذلك دخلت الرقّة مرحلة جديدة غابت فيها فروع الأمن التقليدية ونشطت فيها فروع مشابهة تحت سلطة الفصائل.
تُعتَبَر كتيبة “حذيفة بن اليمان” من أولى الكتائب العسكرية التي تشكلت في المحافظة في حزيران/يونيو العام 2012. وبحسب الكاتب والباحث معبد الحسون، تأسّست الكتيبة ذات التوجهات الإسلامية بدعم وتسليح من حزب “الأمّة الكويتي” و”جبهة الأصالة والتنمية الكويتيّة”. وقد نسبت إلى هذه الكتيبة تجاوزات وانتهاكات عدّة في الرقّة.
في الشهرين التاليَيْن أُعلن عن مجموعة من الفصائل التي حملت راية “الجيش الحر” في ريف الرقّة، ومن أبرزها “كتيبة شهداء الرقّة” في 17 من تموز/يوليو العام 2012، ولاحقاً في 8 من آب/أغسطس من العام نفسه، أعلن عن كتيبة “الناصر صلاح الدين”، التي تألفت من 11 فرداً، بتسليح بسيط، بحسب شهادة معبد الحسون، الذي كان مشاركاً في عملية تشكيلها سراً آنذاك.
في الشهر التالي، وتحديداً في أيلول/سبتمبر العام 2012، دخلت فصائل من “الجيش الحرّ” بالتعاون مع “جبهة النصرة”، في مواجهة عسكرية ضد النظام في معبر تل أبيض الحدودي مع تركيا، استكمالاً لما أطلقت عليه آنذاك “معركة المعابر الحدودية”، وسيطرت عليه في غضون ثلاثة أيام. كما سيطرت على مدينة تل أبيض في الـ 20 من الشهر ذاته. إثر ذلك انسحبت قوات النظام من ريف الرقّة، وتمركزت في المقرات الأمنيّة والعسكريّة في مدينة الطبقة (غرب الرقّة)، بالقرب من السدود الاستراتيجيّة وآبار النفط، وفي مقر “الفرقة 17″، وسائر الفروع الأمنية في قلب المدينة[2].
بعد السيطرة على تل أبيض تشكّل في 27 أيلول/سبتمبر العام 2012 “لواء ثوار الرقّة” الذي سيكون له لاحقاً دور في السيطرة على المدينة. أعلن اللواء تبعيّته لـ”لمجلس الثوريّ العسكريّ” في الرقّة. وقد ضم كتائب “الجهاد في سبيل الله”، “صواعق الرحمن”، “الناصر صلاح الدين”، “الحق”، “شهداء الرقّة”، “سرايا الفرات”، “معاوية بن أبي سفيان”، “أحرار الفرات”. قاد اللواء أحمد علوش، الملقب بـ”أبو عيسى”[3]، وكان من المشاركين في الحراك الثوريّ في مدينة الرقّة، واعتُقِل مرّتين في بداية الثورة السورية[4].
وفي نهاية العام نفسه تشكلت “جبهة تحرير الرقّة”، وبالتحديد في 25 كانون الأول/ديسمبر، وضمت أبرز كتائب الجيش الحرّ في المحافظة، وهي بحسب فيديو الإعلان عن الجبهة: “لواء رايات النصر”، “كتائب الفاروق”، “لواء أحفاد الرسول”، “لواء ثوار الرقّة”، “لواء إعصار الشمال”، “كتيبة حذيفة بن اليمان”، “لواء المنتصر بالله”، “لواء شيخ الإسلام”، “لواء الرصافة” و”لواء فرسان الفرات”. وقد أعلنت الجبهة أيضاً في الفيديو ذاته عن بدء معركة تحرير الرقّة.
وكانت “جبهة النصرة” قد تشكّلت في ذلك الوقت، وبدأت الانتشار في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، بدءًا من مطلع العام 2012، كما انتشرت مجموعات لها في ريف الرقّة. أما فصيل “أحرار الشام” ذو الخلفيّة الإسلاميّة الجهاديّة، فكان قد شكل مراكز ثقل في ريفي حلب وإدلب آنذاك، وشارك لاحقاً في معارك السيطرة على الرقّة.
مع مطلع العام 2013، كانت قوات النظام السوري قد انسحبت من ريف الرقّة وتمركزت في المقرات الأمنية والعسكريّة في مدينة الطبقة غربي المحافظة، بالقرب من السدود الاستراتيجية وآبار النفط، وفي مقر الفرقة 17، والفروع الأمنيّة في قلب المدينة. وهو ما دفع عدداً من فصائل “الجيش الحر” في الريف إلى جانب “أحرار الشام” و”الجبهة الإسلامية السوريّة” و”كتائب الفاروق” و”جبهة النصرة” إلى التقدّم ومحاصرة قوات النظام في مناطق وجودها والسيطرة عليها تِباعاً، بدءًا من سدّ البعث في 4 شباط/ فبراير العام 2013، ثم مدينة الطبقة وسد الفرات في 11 شباط/ فبراير 2013، وصولاً إلى اقتحام السجن المركزي في الرقّة في 3 آذار/مارس 2013، ثم الاستيلاء على مركز مدينة الرقّة وفرع الأمن السياسي وفرع أمن الدولة وفرع المخابرات الجويّة وقصر المحافظ وفرع الحزب في 4 آذار/مارس العام 2013، وأخيرًا السيطرة، في 7 آذار/مارس العام 2103، على فرع الأمن العسكري[5]، بينما ظلّ مقرّا “اللواء 93”[6]، و”الفرقة 17″[7]، عصيّان على الفصائل، طوال فترة سيطرتها في الرقّة.
وفي أيّامٍ قليلة تبدّلت الأعلام كلّياً في مدينة الرقّة، وكان الحضور الأبرز في حينه لـ”أحرار الشام”، إلى جانب “النصرة”، الفصيليْن الإسلاميَّيْن الأكبر اللذين ذابت فيهما في خلال أسابيع قليلة عشرات الفصائل الإسلامية الصُّغرى. أما الفصائل غير الإسلاميّة أو المرتبطة بالجيش الحرّ فكان أبرزها تلك المنضويّة في “جبهة الوحدة والتحرير” و”لواء ثوار الرقّة” و”كتائب الفاروق”.
فيما يلي قائمة بأبرز التجمّعات العسكريّة في الرقّة في العام 2013:
اسم الفصيل | فصائل فرعية | تاريخ التأسيس | أبرز الأسماء |
جبهة النصرة | أبو سعد الحضرمي | ||
حركة أحرار الشام – قطاع المنطقة الشرقية | محمد العمر أبو عمر | ||
لواء ثوار الرقّة |
|
2012-09-27 | أحمد العلوش (أبو عيسى) |
كتيبة حذيفة بن اليمان |
|
||
الفيلق الثاني |
|
2013-04-15 | بشار طلاس |
الفرقة 11 – جيش حر |
|
2013-07-17 | |
لواء الناصر صلاح الدين الأيوبي | 2012-08-08 | ||
لواء الجهاد في سبيل الله | 2012-03-04 | فرحان العسكر (أبو وائل) | |
لواء أويس القرني |
|
2013-04-13 | عبدالفتاح الناصر (أبو محمد) |
لواء أحفاد الرسول |
|
2012-10-20 |
|
لواء أمناء الرقّة | 2012-09-01 | قاسم البلص (أبو عبد الله) فاضل عويد السويدان (أبو فهد) خليل الإبراهيم |
|
لواء المنتصر بالله | 2012-12-11 | النقيب أبو الليث النقيب أبو سليمان |
|
لواء إعصار الشمال | 2012-11-17 | الرائد بشار طلاس | |
جبهة تحرير الرقّة |
|
2012-12-25 | |
جبهة الوحدة والتحرير الإسلامية في الرقّة | 2012-06-01 |
|
تسابقت الفصائل التي دخلت الرقّة للسيطرة على المؤسسات والمقرّات الحكوميّة، ويُجمع الشهود الذين التقيناهم أن أغلب المباني الحكومية استولت عليها الفصائل بعد طرد شاغليها أو الموظفين العاملين فيها، والسيطرة على مقدّراتها وأثاثها ومركباتها. يعرض الجدول التالي مجموعة من المقرات الحكومية التي استخدمتها أو سيطرت عليها الفصائل العسكرية، كما يوضح مجموعة من الانتهاكات أو السرقات فيها، بناء على مقاطعة المعلومات التي قدّمها الشهود:
المؤسسة الحكومية/ المقر | الفصيل/ الانتهاك |
---|---|
المصرف المركزي | يُتهم فصيل “أحرار الشام” بسرقة أموال المصرف المركزي في الرقّة |
شركة الكهرباء العامة | سيطرت عليها “حركة أحرار الشام” |
مطبعة الكتب المدرسية | استولت عليها “حركة أحرار الشام”. |
مركز البحوث العلمية | سرقت جميع آلياته ومحتوياته. |
كلية العلوم | سَرَق محتوياتها أحدُ قادة فصيل “المنتصر بالله” |
محطة القطار | اتخذها لواء “أحفاد الرسول” مقراً له |
مبنى المحافظة | اتُّخذ مقراً لـ “جبهة النصرة” ثم لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”. |
قصر الضيافة | اتَّخذه فصيل “حذيفة بن اليمان” مقراً له. |
الملعب البلدي | اتُّخِذ مقراً لـ “الهيئة الشرعية”. |
مبنى القضاء العسكري | استولت عليه “حركة أحرار الشام”. |
مقام أويس القرني | اتخذته “جبهة النصرة” مقراً لها. |
في الأشهر الأولى مِن سيطرة الفصائل على الرقّة، وقبل الإعلان عن قيام تنظيم الدولة، شكّل “فصيل أحرار الشام” القوة الأبرز في المدينة وحاول التحكّم فيها عبر إدارة الموارد وتولّي بعض المسؤوليات الخدمية. ومن ناحية أخرى دفع “أحرار الشام” إلى تشكيل “الهيئة الشرعيّة” التي تكوّنت من ممثلين عن مجموعة من الفصائل العسكرية. وقد حاولت الهيئة لعب أدوار كثيرة، منها ما تقوم به وزارات الداخلية أو البلديات، ومنها ما يشبه أدوار القضاء العسكري، بحسب ما ذكره الكاتب عبد القادر ليلى، في لقاء مع متحف سجون داعش. وإلى جانب “أحرار الشام” الثقل الأبرز للهيئة، شارك شرعيّون يُمثِّلون “النصرة” فيها، مع شرعيين آخرين من المدينة.
ترأّسَ الهيئة الشرعية في الملعب طبيب الأسنان والسجين الإسلامي السابق في سجن صيدنايا ياسر عوف، بحسب شهادة ناشطٍ رفض نشر اسمه، ووقع الاختيار عليه بوصفه شخصية توافقيّة بين الفصائل ولا يُحسب على أحدها، بينما يشير بعض الناشطين في المدينة إلى أن عوف كان يلقى المساندة من “جبهة النصرة”، فيما عيَّنَ أعضاء الهيئة إسماعيل اللّجي في منصب نائب رئيسها، ووقع الاختيار عليه إرضاءً لعشائر المدينة، بوصفه واحداً منها ومن المنخرطين في فصيل “المنتصر بالله”، أحد الفصائل الأساسيّة في المدينة في تلك المرحلة.
من جانبٍ آخر، تلقى اللجي دعماً من “أحرار الشام” في وجه عوف، الذي كان مدعوماً من “النصرة” في الأشهر السابقة لسيطرة تنظيم الدولة على المدينة، ويشير وجود الرجلين على رأس الهيئة الشرعية إلى أن السلطة الفعلية كانت بيد “النصرة” و”أحرار الشام” أما بقية الفصائل فقد شغلت مواقع ثانوية.
اتخذت الهيئة الشرعيّة من الملعب البلدي في الرقّة مقرّاً لها، وأقامت فيه سجناً مؤقتاً. ويصف خضر الشيخ، الذي كان في حينه نائباً لرئيس المجلس المحليّ في المحافظة، دور الهيئة الشرعية آنذاك بـ “الهزيل” إذ اختلط فيها “الحقوقيّ والإداريّ والشرعيّ”، مشيراً إلى أن بعض الفصائل كانت تبت في قضايا محددة من دون العودة إلى الهيئة الشرعيّة. فيما يذكر عبد القادر ليلى، أن الهيئة، اعتمدت في الأساس على القّوة العسكريّة، التي مكّنتها من ضبط الفصائل الصُغرى ومحاسبتها.
وبالرغم من تقاطع الشهادات حول محدوديّة دور الهيئة الشرعيّة، وكون السجن الذي أقامته صغيراً ومؤقَّتاً، لكن “متحف سجون داعش” وثّق انتهاكات ارتكبت على يدها بحق ناشطين مدنيّين، منهم الناشطة رمال نوفل التي اعتقلت في سجن الهيئة هذا حيث تعرَّضت للضرب.
في لقاء مسجل مع رمال في أيلول/سبتمبر العام 2013، ومحفوظ في أرشيف متحف سجون داعش، تروي حادثة اعتقالها وضربها في سجن “الهيئة الشرعية”. تقول رمال إنها كانت تبيع فناجين قهوة عليها علم الثورة السورية، وذلك في سياق مبادرة لجمع تبرُّعات، في حديقة الرشيد، وسط مدينة الرقّة، ومعها شاب رافقها لتوثيق المبادرة. فظهر ملثمون من “الهيئة الشرعية” يحملون السلاح وأمروهما بالمغادرة. قاومت رمال والشاب أمر الملثَّمين، ليعودوا بعد نحو نصف ساعة ويعتقلوا الشاب أوّلاً. فما كان من رمال إلا أن واجهت الملثمين بالقول: “هيئتكم الشرعية لا تمثلني”، رافضة إزالة الفناجين. لاحقاً توجهت رمال إلى مقر الهيئة الشرعية مع خمسة ناشطين آخرين من شبان المدينة، وطالبت بإطلاق سراح زميلها في المبادرة.
في مقرّ الهيئة الشرعية في الملعب البلدي التقت رمال أحدَ القضاة الشرعيين، الذي حاول، وفق ما أكدته في لقائها المسجل، تلفيق أكثر من تهمة لها، منها “أخذ أموال المسلمين”، و”جمع الأموال باسم الجيش الحرّ”. في اليوم التالي، وبعد عودتها مجدداً للمطالبة بإطلاق سراح الشاب، دخلت رمال في جدال مع القاضي الشرعيّ، وعلى الأثر حضرت سجّانة تُدعى “أم حمزة” وأدخلتها السجن. تقول رمال إنها بدأت بالصراخ “لاتصدقوا أنهم يخافون الله في هذه الهيئة الشرعية”. احتجزت رمال في إحدى الزنازين وتعرّضت للإهانة والضرب بكابل كهرباء بحجّة تأديبها على يد السجّانة التي هددت بقتلها. وقد أُفْرِج عنها لاحقاً بوساطات من معارف العائلة.
لكن يُشار إلى أن القسم الأكبر من الانتهاكات وعمليات الخطف والسجن جَرَتْ على يد “الدولة الإسلامية في العراق والشام” التي أُعْلِن قيامها بعد نحو شهرين من سيطرة الفصائل على الرقّة، لتُلغِي بوجودها “جبهة النصرة”.
كان يوم 3 أيار/مايو 2013 مفصلياً في المدينة، فيه أعلن عناصر مسلحين وسط المدينة، إلغاء مسمى جبهة النصرة والتحاق معظَم عناصرها بـ”دولة الإسلام في العراق والشام” تحت زعامة أبو بكر البغدادي، والتي سيشار إليها لاحقاً باسم “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش).
أكد زعيم “النصرة” أبو محمد الجولاني، في إصدار صوتي له، أنّه لم يُسْتشر في هذا الأمر، لكنه “يستجيب لدعوة البغدادي”. انقسمت “جبهة النصرة” في الرقّة، وغادر قائدها “أبو سعد الحضرمي” إلى مدينة الطبقة، مع مجموعة من المقاتلين، فيما تحولت الغالبية العظمى منها إلى “دولة الإسلام في العراق والشام”، التي حاولت في النصف الثاني من العام 2013 الإمساك بالوضع العسكريّ في المدينة من خلال اغتيال بعض الضباط من فصائل “الجيش الحر”، والقضاء في معارك خاضَتْها على عدّة فصائل في الرقّة.
عيّن التنظيم علي موسى الشوّاخ، المعروف بـ “أبو لقمان”[9]، أميراً على المدينة[10]، ليمارس لاحقاً دوراً محوريّاً في نظام داعش الأمنيّ.
حوَت الرقّة في تلك الفترة مجموعة من السجون العائدة للفصائل، بحسب مقاطعة الشهادات والوثائق التي حصل عليها متحف سجون داعش، والتي اعتقل فيها وغُيِّب العشرات من أبناء المدينة.
السجن | الفصيل/الفصائل | المكان |
---|---|---|
سجن الهيئة الشرعية | “أحرار الشام”، “النصرة”، “داعش” | الملعب البلدي |
سجن المحافظة | “النصرة” ثم “داعش” | مبنى محافظة الرقّة |
سجن النقطة 11 | “داعش” | مبنى المرور |
سجن الجوية | “أحرار الشام” | مبنى المخابرات الجوية |
خاضت داعش معارك وصدامات عديدة مع الفصائل المسلحة الأخرى في المدينة، كالصراع مع “لواء أحفاد الرسول”[11] في صيف العام 2013، الذي انتهى بتفجير سيارة مفخخة قرب مقر اللواء، عند محطة القطار، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين، والسيطرة على مقرّات اللواء[12]. بعد ذلك راح التنظيم يستهدف الكتائب الصغيرة بالقتال أو الخطف أو القتل، كما حدث مع “أبو يزن” قائد لواء “الناصر صلاح الدين”، ومع “أبو طيف” قائد “لواء أمناء الرقّة”[13].
أدّى ذلك إلى صراع استمرّ أشهراً بين التنظيم والفصائل الأخرى وانتهى بسيطرة التنظيم على المدينة بالكامل بعد معركة استغرقت أياماً قليلة.
يوضح الجدول التالي خطاً زمنياً لأبرز الصدامات العسكريّة بين داعش والفصائل الأخرى في الرقّة العام 2013:
التاريخ | الحدث | المكان |
03-08-2013 | أطلق مقاتلون من “لواء أحفاد الرسول” الرصاص على سيارة تابعة لداعش أثناء توقفها على الحاجز | حاجز مدرسة المعري – مدينة الرقّة |
08-08-2013 | دارت اشتباكات بين “لواء أحفاد الرسول” وداعش | محيط محطة القطار – مدينة الرقّة |
13-08-2013 | فجّر داعش سيارة مفخخة بمقر لـ “لواء أحفاد الرسول” | حي محطة القطار – مدينة الرقّة |
14-08-2013 | هاجم مقاتلون من “لواء أحفاد الرسول” حواجز لداعش وقضى في الاشتباكات أربعة من مقاتلي اللواء | مدينة الرقّة |
18-08-2013 | أعلن “لواء أحفاد الرسول” وقف عملياته العسكرية ضدّ داعش في الرقّة “حفاظًا على وحدة الصف ونبذًا للتفرقة” | مدينة الرقّة |
13-09-2013 | اعتقل داعش تسعة من مقاتلي “لواء أحرار سوريا” كانوا قد قدموا إلى الرقّة بحثًا عن قائدهم المختطف، علي بلو. | مدينة الرقّة |
21-09-2013 | داهم عناصر من داعش مقر “الكتيبة الطبّية” في مبنى الإذاعة والتلفزيون بمدينة الرقّة | مدينة الرقّة |
01-10-2013 | شهدت مدينة الرقّة توترًا بين جبهة النصرة وداعش، وقال ناشطون إن سبب التوتر اعتقال التنظيم قيادي وعناصر من النصرة | مدينة الرقّة |
17-11-2013 | اختطف داعش أبو رعد الويسات أحد قادة “لواء أويس القرني” | مدينة الرقّة |
24-11-2013 | دارت اشتباكات بين تنظيم داعش وجبهة النصرة في مقر الجبهة الواقع في قصر المحافظ حيث سيطر التنظيم على المقر واعتقل عدداً من مقاتلي النصرة | مدينة الرقّة |
07-12-2013 | دارت اشتباكات بين داعش وجبهة النصرة في مدينة الرقّة على خلفية مقتل أحد مقاتلي التنظيم برصاص مقاتلي النصرة لعدم توقفه على أحد حواجزها | مدينة الرقّة |
حفَّزت السياقات العسكرية والحوادث الأمنية في المدينة ناشطي الرقّة على التظاهر والاحتجاج، وتحوّلت المقاومة المدنيّة في العام 2013 إلى مواجهة الفصائل العسكرية، وبالتحديد الإسلامية، وعلى رأسها “دولة العراق والشام” أو “داعش” الذي بدأ بترتيب أوراقه وبمحاولة فرض سطوته على المدنيين، إما بالاعتقالات والخطف والتغييب والاغتيال، وإمّا بمحاولة فرض النَّهج الإسلاميّ المتشدِّد على أهالي المحافظة.
في ما يلي جدول بأبرز المختطفين على يد تنظيم الدولة في الرقّة في خلال العام 2013، والذين وثق أسماءهم متحف سجون داعش[15]:
الاسم | تاريخ الولادة | المهنة | تاريخ الاختطاف | مكان الاختطاف | الجهة المسؤولة عن الاختطاف |
عمر عبد القادر العلي | 1990 | بائع | 10-03-2013 | حي الفردوس مقابل صيدلية الفردوس | جبهة النصرة |
محمود احمد العنيزان | عسكري في الجيش الحر | 15-03-2013 | غير معروف | جبهة النصرة | |
ناصر احمد العلي | 1972 | سائق | 04-05-2013 | خُطِف من أمام منزله. | جبهة النصرة |
عبدالله محمد الخليل | 1961 | محامٍ | 18-05-2013 | أمام المحكمة العسكرية | تنظيم الدولة (داعش) |
المنتصر عبدالله الخضر | عضو مجلس محافظة الرقّة (النظام) | 2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | |
الهيثم الحاج صالح | 1967 | معلم | 21-05-2013 | في منزله بجانب الحديقة المروريّة بمدينة الرقّة | تنظيم الدولة (داعش) |
ياسر علي الجاسم | 1985 | تاجر | 25-05-2013 | المستوصف الطبي مقابل نقابة المهندسين | تنظيم الدولة (داعش) |
رمضان صادق الرمضان | 26-05-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | ||
محمد علي النويران | 10-06-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | ||
حسين حسن السويلم | 1980 | خياط نسائي | 01-07-2013 | اعتُقِل من شارع سيف الدولة بالقرب من محلات الضبة | تنظيم الدولة (داعش) |
فواز حجاب البطحاوي | 1983 | موظف | 05-07-2013 | عند مقر كتيبة الرياضيّين الأحرار في الملعب البلدي | تنظيم الدولة (داعش) |
فراس الحاج صالح | ناشط مدني | 20-07-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | |
إبراهيم الغازي | ناشط مدني | 22-07-2023 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | |
باولو دالوليو | 1954 | راهب | 29-07-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) |
بسام محمود الحرير | 1979 | سائق | 29-07-2013 | غير معروف | غير معروف |
موسى ابراهيم الزعيتر | 1978 | موظف | 01-08-2013 | غير معروف | غير معروف |
حسن شيركو حسن | 1980 | سائق | 06-08-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) |
محمد نور مطر | 1993 | مصور | 13-08-2013 | محطة القطار | تنظيم الدولة (داعش) |
ضياء الدين موسى الحمود | 1985 | عسكري – الجيش الحر | 18-08-2013 | مبنى المحافظة في الرقّة | تنظيم الدولة (داعش) |
خليل ابراهيم حبش | 28-08-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | ||
عبد اللطيف خلف بن سلطان | 28-08-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | ||
خالد خلف المحمود | 10-09-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | ||
محمد ابراهيم الجاسم | 1965 | موظف | 22-09-2013 | الرقّة – الصناعة | تنظيم الدولة (داعش) |
لؤي علي العكرب | 1988 | طالب | 23-09-2013 | من منزل أهله في الرقّة، بجانب كلية الآداب | حركة أحرار الشام |
مدثر الحسن | عسكري – الجيش الحر | 03-10-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | |
عبد الله العساف أبو عبد الرحمن | 16-10-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) | ||
عبد الله ذياب العساف | 1968 | صناعة | 17-10-2013 | حارة الشعيب شمالي جامع أُحد | غير معروف |
عبد الإله أحمد الحسين | 1994 | طالب حقوق | 18-10-2013 | من أمام الكنيسة في الرقّة | تنظيم الدولة (داعش) |
اسماعيل أحمد حاج عبد الله | 1978 | مزارع | 25-10-2013 | أمام باب مدرسة المعري | تنظيم الدولة (داعش) |
اسماعيل الحامض | 1964 | طبيب | 02-11-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) |
خليل احمد بوظان | 1986 | صاحب مكتبة دار الجامعة | 05-11-2013 | شارع الكهرباء | تنظيم الدولة (داعش) |
محمد حمو بكو | 1971 | مصور | 10-11-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) |
اشرف كجل بن شيخ محمد | 1991 | عسكري – الجيش الحر | 20-11-2013 | غير معروف | تنظيم الدولة (داعش) |
يشير الجدول أعلاه، إلى أن “جبهة النصرة” نفذت ثلاث عمليات خطف موثّقة في الفترة التي سبقت إعلان البغدادي دمج الجبهة مع “الدولة الإسلامية”، وابتداء من شهر أيار العام 2013، اتُّهم التنظيم بالمسؤولية عن أغلب حالات الخطف.
كان اختطاف المحامي عبد الله الخليل، من أولى العمليات التي غُيّب على إثرها أحد العاملين في المجال المدني. فقد شغل الخليل في حينه منصب رئيس المجلس المحليّ للرقّة، وقبل ذلك نشط في المجال الحقوقيّ والدفاع عن المعتقلين السياسيّين في سجون النظام السوري، ليعتقل على أثر ذلك مرّات عدة في بداية الثورة السورية. يروي خضر الشيخ، الذي كان نائبه في المجلس المحلّي، ملابسات حادثة اختطافه، على يد من أسماهم “مجموعة من المسلحين”. كان الخليل في حينه برفقة أربعة شبان في سيارة، حين اعترضهم مسلحون وأنزلوا مرافقي الخليل تحت التهديد، ثمّ اقتادوه وحده إلى جهة مجهولة، ولم يُعرَف مصيره حتى الآن.
يعتقد الشيخ، أنّ المجموعة التي اختطفت الخليل مرتبطة بـ”داعش”، وأن الاختطاف جاء لأسباب عديدة، أولها يتعلّق بعداوة شخصية، والآخر لأنّ داعش اعتبر أنّ الائتلاف الوطنيّ، وهو الجهة المؤسسة للمجلس المحلي، يُديره “مرتدّون عن الإسلام”، والثالث هو نشاط الخليل وشهرته “وهم لا يرغبون في أن يكون شخص بهذه المواصفات معهم أو ضدّهم”.
تشير البيانات الواردة في الجدول السابق، إلى أن النسبة الأكبر من عمليات الخطف والتغييب في العام 2013 قد تركّزت في الغالب بعد شهر أيار/مايو وبلغت ذروتها في النصف الثاني من العام.
اختطف في صيف في ذلك العام الكثير من الناشطين المدنيّين، منهم فراس الحاج الصالح الذي نشط في الثورة السورية منذ انطلاقها واعتقله النظام مرّتين، وبعد بروز داعش في الرقّة شارك في الاحتجاج والعمل ضدّه ما أدى إلى اختطافه[16].
في أواخر تموز/يوليو العام 2013، وصل الكاهن الإيطالي الأب باولو دالوليو مدينة الرقّة، للتفاوض على إطلاق سراح نشطاء سَلام، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش الحقوقية”. دخل دالوليو مبنى محافظة الرقّة، مقر داعش في حينه، لطلب معلومات حول النشطاء المحتجزين، فلم يخرج بعدها ولم يُعرَف مصيره.
غيّب التنظيم لاحقاً العديد من الشبان الذين شاركوا في الاحتجاجات ضدّه، إضافة إلى الناشطين الإعلاميين والمصورين، ومنهم محمد نور مطر، الذي اعتقله التنظيم في تموز/يوليو للمرة الأولى، وأفرج عنه، ثم اختفى مجدَّداً بعد شهر أثناء تغطيته حادثة استهداف داعش مقر لواء “أحفاد الرسول”. ومن المغيَّبين أيضاً طالب الحقوق والمصور الشاب عبد الإله الحسين الذي اختطف بعدها بأشهر لمشاركته الفاعلة في التظاهرات والاحتجاجات المدنية.
كما يحتفظ أرشيف “متحف سجون داعش” بشهادة لمحمد الخطيب، وهو أحد الشبان الذين اعتقلوا في سجن المحافظة ونجا منه بعد 48 يوماً. كان الخطيب من المنخرطين في الحراك الثوري بشكل كبير، وناشط في مجال العمل المدني، على الرغم من صغر سنّه، إذ لم يتجاوز في حينه الـ 17 عاماً. أنشد وهتف الخطيب في عشرات التظاهرات، وأمام مبنى المحافظة شارك أيضاً في الاعتصامات والوقفات الاحتجاجيّة[17].
يروي الخطيب ملابسات اعتقاله على يد عناصر من تنظيم الدولة في أحد شوارع الرقّة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر العام 2013، ونقله إلى سجن المحافظة، ذاكراً أنّه تعرَّض للضرب فور توقيفه لمدة ساعة كاملة، ثم احتُجِز في زنزانة انفراديّة. خضع الشاب للتحقيق بعدها أمام محقّق، وعُذب بتعليقه بالسقف من يديه، وتعرَّض لأنواع مختلفة من الضرب.
يؤكد الخطيب أن سجن المحافظة احتوى على غرفة للإعدامات، وهو نفسه هُدِّد أيضاً بالإعدام فيها، لكن لا توجد وثائق مؤكَّدة تثبت أن أيّاً من المغيبين على يد تنظيم الدولة قد قُتِل أو صُفِّي في هذا المكان. خرج الخطيب في خلال هجوم الفصائل على مقرّات التنظيم، وقد حُرِّر من سجن المركبّات الأمني في مطلع العام التالي في معركة كانت نتيجتها سيطرة التنظيم على الرقّة بالكامل.
يؤكد تحليل بيانات الأفراد المختطفين على يد تنظيم الدولة في العام 2013 أنه لم يفرق على أساس العمر أو المهنة، إذ كان عمر أصغر المختطفين 19 عاماً، وأكبرهم 59، كما كانوا من خلفيات مهنية وتعليمية مختلفة، فيما تقاطعت أسباب اعتقالهم حول مشاركاتهم في نشاطات مناهضة لداعش عموماً.
تدرجت حدّة المظاهرات والاحتجاجات المدنية في الرقّة، مع تزايد القمع والانتهاكات، ووفق مقاطعة إفادات ثلاثة شهود من الناشطين المدنيين الذين شاركوا في تلك الاحتجاجات، فإن فصائل “الجيش الحر” كانت تبدي مرونة أكثر في التّحاور مع المتظاهرين، والاستجابة لمطالبهم في حال احتجاجهم على سلوكيات أو انتهاكات عناصر ومجموعات من العناصر أو المقاتلين، وكان محور لغة النقاش “الثورة والحرية”.
لاحقاً تزايدت المظاهرات وتركز الكثير منها أمام مقرّات “أحرار الشام”. ويذكر أحد الناشطين المدنيين (تحفظ عن نشر اسمه)، أن الحركة قاومت المحتجين أمام مقراتها أكثر من مرة بالعنف، وأن عناصرها اعتدوا على شاب لرسمه علم الثورة بالضرب حتى كسروا يده. وفي حادثة أخرى، يؤكد الشاهد أن عناصر الحركة استعملوا الأسلحة الرشاشة الثقيلة المحمولة على السيارات لإخافة المتظاهرين.
كما مارست “الهيئة الشرعيّة”، التي اتخذت من الملعب البلدي مقراً لها، اعتقالات وانتهاكات كثيرة، وكان الناشطون يعتصمون أمامها في محاولة ضغطٍ لإطلاق سراح المعتقلين. ويقول الشاهد نفسه إنّ الهيئة اعتقلت سيّدتين لعدم ارتدائهن الحجاب، ما دفع العشرات من أبناء المدينة إلى التظاهر أمام الملعب حتّى أطلق سراحهما.
مجمل القول إنّه في الفترة التي سبقت ظهور التنظيم تركّزت احتجاجات الناشطين المدنيين أمام مقرّات الفصائل، وبالتحديد مقرات “أحرار الشام” و”النصرة”، نتيجة انتهاكات تتعلق بالسيطرة على ممتلكات عامة أو لاعتقال أحد الناشطين. وغالباً تمحورت المطالب حول الحفاظ على المال العام وإطلاق سراح معتقلين. لكن لاحقاً أخذت الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات أشكالأ أكثر ثباتاً ووضوحاً، مع تزايد عمليات الخطف والحوادث الأمنية في المحافظة، وظهور “داعش” كجزء أساسي من المشهد العسكري في المدينة بين أيار/مايو العام 2013، وكانون الثاني/يناير العام 2014.
تَرافق إعلان تنظيم الدولة في الرقّة وإلغاء تسمية “جبهة النصرة” في 3 أيار/مايو العام 2013، مع عمليّة إعدام ثلاثة ضباط من قوات النظام السوري، في ساحة الساعة وسط الرقّة، وهو ما دفع ناشطين من حركة “حقنا” إلى الاحتجاج على الطريقة التي قُتِل بها الضباط، وأقاموا “خيمة عزاء وطن”.
يقول أحد القائمين على المبادرة (فضل عدم نشر اسمه): “قال التنظيم في حينه إن المقتولين ضبّاط من الطائفة العلوية، وذلك لتجنّب قيام انتفاضة شعبية في وجهه. نحن كحركة “حقّنا” اعتبرنا هذا الفعل “انتهاكاً”، فحتى وإن كانوا ضباطاً في النظام يجب أن يُحاكَموا لا أن يُقتلوا بهذا الشكل، هذا انتهاك لنا وانتهاك أيضاً لحقوق الإنسان”. ويتابع، “لم نعلم إن كانوا فعلاً ضباطاً أم لا، فقد كان هناك التباس، ذهبنا إلى المكان نفسه، ونصبنا خيمة عزاء، واعتبرناه عزاءً بالوطن، فَهُم بهذه الأساليب يغتالون الوطن، وكذلك ساحات الحرية، كان ذلك إرهاباً. أرهبوا المدينة، وهنا أدركنا أنّنا أمام معركة شرِسة”.
واعتبر الناشط أنّ مبادرة “خيمة عزاء وطن” كانت شرارة لانطلاق عمليّات المقاومة ضدّ تنظيم الدولة الذي بدأ بعد الإعلان عن نفسه عمليّات إلاغتيال والتنكيل بالنشطاء وفصائل “الجيش الحر”.
شكَّل مبنى المحافظة، مقر “جبهة النصرة” أوّلا، ثمّ مقر “تنظيم الدولة”، نقطة تجمّع أساسية لأغلب الناشطين والناشطات، خصوصاً بعد تزايد عمليات الخطف التي ارتكبها عناصر التنظيم.
وبحسب شهادات حصلنا عليها فإن بعض الناشطين أو عناصر الجيش الحر كانوا يوقَفون أو يُعتَقَلون في مبنى سجن المحافظة، فيما تشير شهادات أخرى إلى أنّ تنظيم الدولة لم يكن يسوق المختطفين إلى مبنى المحافظة فقط، بل إلى سجون سرية أخرى موزعة في المدينة.
يقول أحد الشهود من المشاركين في الاعتصامات في حينه، إن التنديد والشعارات بداية الأمر كانت موجهة ضد “جبهة النصرة”، إذ لم يكن الحراك السلميّ يستطيع التمييز دائماً بين جبهة النصرة وداعش. وكانت أغلب الوقفات الاحتجاجية تطالب بوقف انتهاكات حقوق الإنسان والكشف عن مصير المعتقلين ووإجراء محاكمات عادلة.
وإذ شهد صيف العام 2013 خطف تنظيم الدولة عشرات الناشطين المدنيّين أخذت الاحتجاجات بالتصاعد ضد هذه العمليات، وأصبحت الوقفات الاحتجاجية أمام مقر المحافظة شبه يومية، رفع المحتجون فيها أسماء المُخْتطفين وشعارات تنادي بالإفراج عنهم.
كان الحضور النسائي واسعاً في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المختطفين. وكان للناشطة المدنيّة سعاد نوفل دور بارز في تلك التحركات، فبعد تحرير المدينة من النظام السوري، ساهمت نوفل بتأسيس “مجلس الحكم المحلي في الرقة”. ومع سيطرة التنظيم وتزايد انتهاكات عناصره، نظّمت حملة فردية أمام مقراته، حيث كانت تقف يومياً حاملةً لافتات لأكثر من شهرين، مطالبةً بإطلاق سراح النشطاء المخطوفين ووقف انتهاكات داعش ضد أهالي المدينة.
وأيضاً كانت فلك الحسن، مديرة مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة الرقّة آنذاك، إحدى المشارِكات في تلك المظاهرات، بعد اعتقال ابنها وتغييبه.
أحد الاعتصامات التي شاركت فيها الحسن دام 15 يوماً أمام مبنى المحافظة، وفي الأسبوع الأول منه شاركت زوجات أو أخوات أو أمهات المفقودين والمختطَفين، وفي الأسبوع الثاني انضمت إليه حركة “حقّنا”. ثمّ بدأ عناصر التنظيم يطالبون المتظاهرين بفض الاعتصام. وتقول الحسن، “حين سألناهم عن مصير أبنائنا، قالوا إنّهم سيخضعون لمحاكمات، كونهم كفّاراً وزنادقة”، مؤكدة أن الاعتصام انتهى بعد إطلاق العناصر النار عليهم.
يحتفظ أرشيف “متحف سجون داعش” بعشرات الفيديوهات الموثّقة لتظاهرات أمام سجن المحافظة في صيف العام 2013، وتظهر أغلب تلك الفيديوهات، مشاركة النساء والشابات إلى جانب الناشطين من الشبان.
منى فريج، الناشطة الحقوقية والنسوية، والتي شاركت بشكل واسع في النشاط المدني في الرقّة آنذاك، كان لها حضور متكرر في التظاهرات والاعتصامات أمام مبنى المحافظة. تذكر فريج أنّه “في شهر أيلول/ سبتمبر، اعتصمنا أمام مبنى المحافظة، كانوا قد اعتقلوا عناصر من كتائب الفاروق، فخرجنا ووقفنا أمام المقر، وخرجت عليهم بخطابٍ صارخةً بهم أنّهمليسوا بمسلمين، وأنّهم يسيئون إلى الإسلام، ويتعاملون مع المدنيين على غرار تعامل نظام الأسد”.
شهدت شوارع وسط الرقّة، مثل “23 شباط” و”تل أبيض”، ومنطقة حديقة الرشيد، قسماً كبيراً من المظاهرات التي رفعت شعارات مندِّدة بداعش وبالفصائل الأخرى. وهتف المحتجون والمحتجات لإطلاق سراح المعتقلين، وانتقدوا “دولة العراق والشام”، وهتفوا في مرات عدة لـ “الجيش الحر”.
شهد شهر رمضان، الموافق نهاية تموز/يوليو وبداية آب/أغسطس العام 2013، تحركات مسائية يوميّة للناشطين المدنيّين، الذين رفعوا مختلف أنواع الشعارات ضد الفصائل الإسلامية وانتهاكاتها، مثل “أحرار الشام زِلْم النظام”، “الهيئة الشرعية فِرْع الجوية”، “الرقّة حرّة داعش برّا”.
تلك الشعارات قابلتها شعارات موالية للفصائل الإسلامية على ألسنة مجموعات موازية صغيرة من المتظاهرين الذين رفضوا أيّ مظاهر ثوريّة وأبدوا مَيْلهم ودعمهم الكامل للإسلاميّين.
وشكّلت تلك الحالة تعبيراً مباشراً عن انقسامٍ مجتمعيّ واسع، أحد قطبيه كان الداعمون للفكر الإسلامي ولقكرة “أسلمة الدولة”، والآخر شمل كل من نادى بالعلمانية أو الحرية أو الالتزام بمبادئ الثورة.
تظهر الفيديوهات الموثقة في أرشيف متحف داعش للمظاهرات التي رفعت شعارات داعمة للإسلاميين في الرقّة، أن المشاركة فيها لم تكن واسعة واقتصرت على شبّان صغار. وبحسب شهادات حصلنا عليها، كانت فصائل إسلامية تحرّك المشاركين فيها كوسيلة للتغطية على المظاهرات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المغيَّبين.
مع استمرار الاحتجاجات في خلال شهر رمضان، أصدرت مجموعة من الناشطين، من ذوي التوجّهات الإسلامية، بياناً بعنوان “بيان الفِتنة”، دعا إلى وقف الاحتجاجات ضد الفصائل لحقن الدماء، وإلى تركيز بوصلة النضال ضدّ النظام السوري، لكن البيان سُحب لاحقاً بعد انتقادات عديدة وجهت للموقِّعين عليه.
يشير أحد الناشطين في الحراك الثوري آنذاك، والذي رفض كشف اسمه، إلى أنّ بعض الشبان الإسلاميّين الذين كانوا ناشطين في العمل المدنيّ حاولوا دعم الحراك المقاوم لتنظيم الدولة الذي رفضوا الانضمام إليه، وحافظوا على مبادئ الثورة، وأجروا في مرحلة لاحقة وخارج مدينة الرقّة مراجعات مع “التيار العلماني” لتجاوز بعض نقاط الخلاف.
في آب/أغسطس العام 2013 كان تنظيم الدولة قد اعتقل العشرات من العاملين في الحقل المدنيّ والمصوِّرين والإعلاميّين في الرقّة، وكانت مستويات الخوف بدأت بالتصاعد في أوساط أبناء المدينة، الذين أضافوا إلى احتجاجاتهم ومظاهراتهم واعتصاماتهم أشكالاً أخرى من التعبير.
في مساء أحد أيام ذلك الشهر تجمع شبان وشابات تحت الجسر الجديد في الرقّة، وأضاؤوا الشموع فوق سطح نهر الفرات، في محاولة لتسليط الضوء على واقع المدينة وللمطالبة بالكشف عن مصير المعتقَلين والمختطَفين.
اتخذ النشاط المدني في الرقّة أشكالاً مختلفة، منظَّمة وفردية ومُمَأْسسة أيضاً، وكانت مبادراته أو أعماله قد بدأت إلى حدّ كبير قبل سيطرة الفصائل العسكرية على المدينة، ويتجلى ذلك في نشاط التنسيقيات المحلية الشبابية والطلابية في الغالب والمجموعات التي أطلقت مبادرات ثورية أو إغاثية.
تأسّست في الأشهر القليلة بعد تحرير الرقّة من سيطرة النظام السوري أكثر من 40 مبادرة ومنظَّمة مجتمع مدني في المدينة، نشط جزء كبير منها في الأعمال الخدميّة. بعض الناشطين الذين التقيناهم في إطار إعداد هذا التحقيق وصفوا المدينة بأنها كانت أشبه بـ “ورشة عمل” أو “خلية نحل”، في إشارة إلى تعدّد المشاريع التي أُطْلقت، والمبادرات المختلفة التي تَحرَّكت.
فيما يلي قائمة بأبرز التجمعات والمنظمات والمبادرات المدنية في الرقّة:
اسم المنظمة / التجمع/ المبادرة | تاريخ التأسيس | نوع النشاط |
---|---|---|
حركة “حقّنا” | 28-3-2013 | حقوقيّ
سياسيّ |
حملة لأجلكم | إغاثة | |
صحيفة قندريس | 04-12-2013 | إعلام |
تنسيقية الرقّة | 2011 | ثوري/ تنسيقي
إعلامي |
صحيفة منازل | 1-05-2013 | إعلام |
تجمع شباب الرقّة الحر | 17-03-2013 | مدني
تطوعي خدمي |
تيار ربيع الرقّة | 2012 | سياسي
خدمي |
تجمع أبناء الرشيد | 2012 | إغاثي |
ثوريّ أنا | 17-04-2012 | إعلام |
ديموس | 01-01-2013 | شؤون المرأة
تأهيل وتدريب مناصرة حقوقيّ |
جمعية أبناء الرقّة الإغاثية | 19-06-2013 | إغاثة |
الأمن الثوريّ في محافظة الرقّة | 17-03-2013 | حَوْكَمي/شرطة محلية |
الهيئة الشرعية في الرقّة | 04-03-2013 | جهة حَوْكَميّة/قضاء |
جمعية أهل الأثر الخيريّة | إغاثة | |
هيئة الشباب المسلم | 29-11-2012 | دعويّ |
منظمة جنى النسائية | 2013 | ثقافي
دعم المرأة والأطفال إغاثي |
منظمة روافد | إغاثة | |
مشروع رمضان الخيري | 30-06-2013 | إغاثة |
جمعية نور على نور الخيريّة | 16-09-2013 | إغاثة |
مركز الرقّة الإعلاميّ | 18-05-2013 | إعلام |
الهيئة الإعلامية لثوار الرقّة | 18-05-2013 | إعلام |
اتحاد شباب الكرد في الرقّة (H C K R) | 31-05-2013 | اجتماعيّ
سياسيّ |
في 15 آذار/مارس العام 2013، أي في الذكرى السنوية الثانية لانطلاق الثورة السورية، أعلنت مجموعة من الشباب عن قيام “تجمع الرقّة الحر”، مع أنّ التجمّع كان قد بدأ بشكل سريّ قبل تحرير المدينة. نشطت المجموعة بشكل سريع في تعويض نقص الخدمات بعد خروج مؤسسات الدولة عن العمل، وسرعان ما انضمت إليه تجمّعات وحركات ومبادرات كثيرة.
ومن المبادرات التي أطلقها التجمع، “شوارعنا تَتَنفَّس حرية” التي هدفت إلى تزيين الشوارع بأعلام وشعارات ثورية، وحملة “نظافة المشفى الوطني” لتنظيف وإعادة تأهيل المشفى وفتحه أمام المرضى، وحملة “لن أترك مدرستي” التي عملت على تنظيف المدارس من آثار القصف لجعلها صالحة للتعليم مجدداً. كما أطلق التجمع حملة “رغيفنا” و”حق الطفل بالحياة”، وشارك في حملة “أحرار خلف القضبان”[18].
ضم “التجمع” عدداً من الناشطين الثوريّين، من توجّهات مختلفة علمانيّة وإسلاميّة، وبحسب لقاء منشور مع عضو هيئة إدارة التجمع آنذاك، فإن أهدافه تجاوزت النواحي الخدمية إلى تشكيل وسيلة ضغط على القوى المسيطرة على المدينة وأداة رقابة لـ “منع انحرافها عن الثورة”، وفق تعبيره، إضافة إلى دعم حقوق النساء والدّفاع عن حرية التعبير[19].
ويشير ناشطان مدنيان التقيناهما إلى أنه مع ذلك أبدى بعض المنضوين في التجمع ميلاً إلى الفصائل الإسلاميّة في المدينة، ورفضوا دخول الناشطين المدنيين في سجالات معهم، أو الوقوف في وجههم في أعقاب التجاوزات التي صدرت عنهم. وهو ما شكَّل مثالاً مبكراً على الانقسام المجتمعي في الرقّة في مسألة الوضع العسكريّ.
كانت منى فريج، التي تشغل منصب عضو الحركة السياسية النسوية السورية حالياً، مسؤولة في تلك الفترة عن الإغاثة في المدينة، ضمن الهيئة الإغاثية العليا في المحافظة، التابعة للمجلس المحليّ المتشكِّل في تل أبيض، وذكرت في لقاء مع متحف سجون داعش مجموعة من الأنشطة التي عمل عليها المجلس بالتعاون مع منظَّمات وجمعيَّات أخرى، ومنها المعرض الذي أقامته مبادرة “لأجلكم” في مطلع حزيران/يونيو العام 2013 التي هدفت منه إلى جمع تبرعات لصالح الأسر المتضرّرة وللأيتام.
عن المعرض تقول فريج: “كان من أجمل الاحتفالات التي حدثت في تلك الفترة، شاركت فيه كل التجمعات مثل “حقّنا” و”فريق الرقّة التطوّعيّ” و”فريق الرقّة المدنيّ” و”التجمع المدني” بالإضافة إلى مبادرات نسائية ومن كل الجهات، حتى المجلس المحليّ ساعد في هذه المبادرة. وبالفعل جمع المعرض أموالاً تكفي لشراء حليب للأطفال لمدة ستة أشهر، ووُزِّع على جميع الأطفال المحتاجين، من مستودع الهيئة العامة للإغاثة في محافظة الرقّة”.
ولم يكن الفصل بين الخدمي من الأنشطة ومقاومة نشاط القوى العسكرية على أرض الواقع أمراً ممكناً، ولعل التداخل هنا يعود بشكل أساسي، إلى أن الكثير من الفصائل كانت متَّهمة بنهب المال العام، وسرقة المقرات الحكومية ومقرّات النقابات أو السيطرة عليها، وفق شهادات الناشطين أو مسؤولي المجالس المحلية في الرقّة سابقاً، الذين التقيناهم في إطار إعداد هذا التحقيق.
من المقرّات التي سعى الناشطون المدنيّون في الرقّة إلى الحفاظ عليها، ومنع الفصائل العسكريّة من استعمالها أو الاستيلاء على ما فيها، كان المتحف وشركة الكهرباء ومطبعة الكتب المدرسية.
تقول منى فريج، “استوردت الحكومة السورية قبل الثورة ثلاث مطابع للكتب المدرسيّة، إحداهن كانت في مدينة الرقّة وتحديداً في مركز طباعة الكتب المدرسيّة، وكانت من أفخم المطابع، وللأسف سمعنا أن عناصر أحد الفصائل دخلوا المطبعة وفكّكوها، فذهبنا و تجمهرنا وحاولنا أن نمنع ذلك، لكن للأسف ًكان صوت السلاح دائماً أقوى من أصواتنا”.
وعن حادثة أخرى تذكر، “في إحدى المرات ذهبنا ووقفنا وتظاهرنا وبقينا تقريباً يوماً كاملاً أمام مركز البحوث، لمنع بيع آلات مركز البحوث التي كانت متطورة جداً، إذ كان طلاب الهندسة الزراعية وطلاب التنمية الزراعية وكذلك المعهد الزراعي، يأتون لإجراء الأبحاث في هذا المركز المتكوِّر جداً بحسب المهندسين الزراعيّن الذين درسوا هناك”، ومع ذلك وضعت الفصائل يدها على المركز.
وقد اتّهِمَت حركة “أحرار الشام الإسلامية” أيضاً باقتحام المصرف المركزي في الرقّة، وبسحب الأموال من داخله لصالحها، بحسب خمس شهادات حصلنا عليها، وبالإضافة إلى مصادرة الأموال اتُّهمتُ الحركة أيضاً بمصادرة كمية كبيرة من الممتلكات العامة في الدوائر الحكومية “بحجّة أنها غنائم حرب”.
ومن المواقع التي وضعت “أحرار الشام” يدها عليها كان متحف الرقّة، ومع أنّها كانت تقول إنها معنية بالحفاظ على آثار المتحف وحمايتها من النهب، إلا أنّ المتحف خسر في النهاية الآلاف من القطع الأثريّة.
يعتبر خضر الشيخ، رئيس المجلس المحلي للرقة سابقاً، أن أياً من الفصائل في فترة تحرير الرقّة لم يكن يقدّم الخدمات للمدينة، “كانوا يتعاركون من أجل عشرة أكياس قمح، ومن أجل محوّلة موجودة في زاوية من زوايا البلد”.
ويذكر الشيخ حادثة سيطرة فصائل من المعارضة على مبنى مديرية الكهرباء في المدينة، “عندما تشكل المجلس كان مقرّنا في مديرية الكهرباء التي كان لها مبنيان ضخمان حديثان، وبعد تعرّض المبنى الذي اتخذناه للقصف انتقلنا إلى الآخر، وبعد شهرين جاء عناصر من الجيش الحرّ وطالبونا بالخروج، وعادوا بالبنادق وأخرجونا رغماً عنا”.
نُقل مقرّ المجلس المحلي إلى مكان آخر حيث تعرّض أيضاً للقصف، وعندما وصل رئيسه آنذاك، خضر الشيخ، لتفقد المكان ومعاينة الأضرار، كانت “مجموعة مرتبطة بالجيش الحر، قد دخلت المكان. رأينا العناصر يحملون الحواسيب الخاصة بالعاملين في المجلس”. وبعد شجار مع المجموعة ترك العناصر الحواسيب وغادروا، بحسب الشيخ.
وعن حادثة أخرى، يروي الشيخ، أن عناصر أحد قادة فصيل “المنتصر بالله” سرقوا، عقب دخولهم المدينة، محتويات ومخابر كلية العلوم في “جامعة الفرات”. يقول الشيخ إنه تحدّث بطلب من عميد الكلية إلى قائد الفصيل، فكان الردّ بالرفض وبطريقة “مهينة”.
لَعبت صفحات التواصل الاجتماعي دوراً محورياً منذ انطلاق الثورة السورية في التخطيط للتحركات المدنية وتنظيمها، وفي توثيقها ونقل أخبارها إلى الجمهور. ولاحقاً أسهمت في توثيق الانتهاكات الممارسة ضدّ المشاركين في الحراك الثوري. في ذلك السياق برزت “تنسيقية شباب الرقّة” منذ العام 2011، وهي لا تزال قيد العمل حتى اليوم[20].
في العام 2013 كانت صفحات التنسيقية على مواقع التواصل الاجتماعي تنقل الأخبار العسكريّة والخدميّة، وتسلِّط الضوء باستمرار على انتهاكات داعش، وعمليات الخطف والتغييب التي مارسها. توقف نشاط الصفحة لمدّة عامين، ثمّ عادت واستأنفت تغطيتها في العام 2016، عبر نقل الواقع الميداني والخدمي في المدينة.
كما تأسست مجموعة من الصحف الثوريّة المطبوعة، ومنها “ثوريّ أنا”، “قندريس”، “كلمة حرة”، التي نشرت مجموعة من الأعداد المطبوعة في المدينة. تأسست صحيفة “ثوريّ أنا” العام 2012، وعرفت بنفسها على أنها “جريدة ثورية، ناطقة بالحرية”، وكانت حينها تنتقد النظام السوري، وتنشر رسوماً كاريكاتوريّة، ومقاطع شعريّة ونثريّة وتدوينات شخصية، ومنشورات تَوْعَوِيّة. في العام التالي انتقلت الصحيفة إلى تسليط الضوء على الواقع الجديد في الرقّة بعد سيطرة الفصائل عليها.
يحتفظ أرشيف متحف سجون داعش أيضاً بنسخ من صحيفة أخرى، تحمل عنوان “كلمة حرة”، التي يشير غلاف العدد الرابع منها المنشور في نيسان/أبريل العام 2013 إلى أنها “سياسية اجتماعية ناقدة”. في هذا العدد تنتقد الصحيفة أعمال “نهب الرقّة”، ضمن مقال بعنوان “جئتم غزاة أم فاتحين”، وتنتقد فيه سرقة محتويات مدرسة الصناعة ومركز البحوث العلمية في الرقّة. وفي مقال آخر تقول الصحيفة إنها تستطلع آراء الشارع في إعلان “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام”، معتبرة أن أهالي “الشام” لم يُشاوَروا في أمر هكذا إعلان. وبالرغم من النفس الإسلامي الذي كتبت فيه منشورات الصحيفة، لكنها انتقدت الفصائل والاعتقالات التي نفّذتها بحق الناشطين، كما انتقدت المجلس المحلّي للمدينة.
صحيفة “قندريس” أيضاً، التي نشرت أعداداً مطبوعة أوّلها في أيار/مايو 2013 نقلت إسهامات ثقافيّة أو شعريّة تشير فيها إلى واقع مدينة الرقّة، كما نشطت عبر صفحتها على “فيس بوك”، في نقل أخبار عن المدينة. وبتاريخ 22 آب/أغسطس 2013 نشرت الصفحة وثيقة تؤكد أن “قندريس” حصلت على الترخيص لممارسة العمل الصحافيّ في الرقّة لمدّة ستة أشهر من المجلس المحلي للمدينة، لكن هذا المنشور كان الأخير لها، ولم تنشط بعد هذا التاريخ مطلقاً.
في العام 2012 كان “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” يعمل في اتجاه تأسيس مجالس محليّة في المحافظات السوريّة، وقد أعلن في كانون الأول/ديسمبر 2012 عن تشكيل المجلس المحلّي لمدينة الرقّة في مدينة أورفا جنوبي تركيا، برئاسة المحامي عبد الله الخليل، الذي قدم لائحة تحوي 60 اسماً كهيئة تشاوريّة اختيرَت لتمثيل المحافظة. لكن قبل أن يُعلِن “الائتلاف” تشكيل المجلس كان نشطاء قد سبق وأعلنوا تشكيل مجلس محلّي مؤقت للمحافظة في مدينة تل أبيض (التي كانت تحت سيطرة الفصائل)، برئاسة سعد الشويش، وقد ضم مجلساً للمدينة برئاسة نبيل الفواز.
برز الخلاف حول الأحقّية في قيادة المحافظة، بين تيار يرى أن المجلس المشكل في تل أبيض، والذي تأسّس بالانتخاب، هو الأحق في قيادة شؤون المحافظة، وتيار آخر يدعم شرعيّة المجلس الذي شكّله الائتلاف. وتشير الشهادات التي وثّقناها إلى أن مجلس تل أبيض تألّفّ من 25 اسماً تقريباً جرى التوافق عليها في اجتماع غير معلن، وكان قسمٌ من ممثّلي المدينة في المجلس يحضرون تلك الاجتماعات.
كانت منى فريج إحدى المرشَّحات لعضوية مجلس تل أبيض، وعن آلية تشكيله شرحت: “ذهبنا إلى تل أبيض حيث كانت تجرى الانتخابات، وكنت المرأة الوحيدة من محافظة الرقّة، كنا آنذاك أربعة مرشحين لذلك، فذهبنا وجرت عمليّات الانتخاب”.
في المقابل كان تيار آخر من ناشطي الرقّة يدعم شرعية المجلس الذي شكّله الائتلاف، على اعتبار أنه جزء من وحدة المجالس المحلية العامة، وهو الأمر الذي سيؤدّي في نهاية الأمر، وبعد سيطرة فصائل المعارضة على المحافظة بالكامل، ومن ضمنها المدينة، إلى تحويل إدارة المحافظة إليه وفق آليّة انتخابيّة جديدة، واعتبرت توافقية إلى حد ما.
أما أبرز الانتقادات التي وُجِّهت إلى المجلس الأخير فتتعلق بكون قائمته التشاورية بنيت بشكل سرّي حتى من دون علم الأشخاص الذين وردت أسماؤهم فيها. فبحسب ناشط مدنيّ عمل في تلك الفترة في تأسيس مجموعات مدنية، فإن قسماً مِمّنْ شملتهم قائمة الأسماء التي قدّمها عبد الله الخليل للائتلاف بداية تأسيس المجلس، لم يكونوا على علم بها، ولم يزكّوا الخليل لقيادة المجلس المحلي. في المقابل، لم تكن قضية الأسماء مهمة لآخرين، ومنهم خضر الشيخ، مدير الأوقاف الأسبق في الرقّة، والذي سيحلّ لاحقاً مكان الخليل في رئاسة المجلس.
يؤكّد الشيخ في لقاء أجريناه معه أن اسمه ورد في القائمة بِلا علمه، لكنه انضمّ إلى عمل المجلس بشكل سرّي من داخل الرقّة، من أيّام سيطرة النظام على المدينة، وساهم في توزيع المساعدات والأموال الواردة من الائتلاف، والمخصصة لمدينة الرقّة في تلك الفترة.
المجلس الذي شكّله الإئتلاف في أورفا | المجلس المشكل في تل أبيض | |
---|---|---|
تاريخ الإنشاء | كانون الأول/ديسمبر 2012 | تشرين الثاني/نوفمبر 2012 |
الرئاسة | عبد الله الخليل | سعد الشويش |
من أعضائه | أحمد شلاش، أسيد الموسى، إبراهيم مسلم | نبيل فواز، أديب الشحادة، منى فريج، أكرم دادا، صالح الهنداوي |
حصل المجلس المحلي المشكل في أورفا على دعم مالي من الائتلاف، وفق الشيخ: “بالرغم من سيطرة النظام على المدينة آنذاك، كانت المساعدات تصل إلينا، فكنا نكلّف أحياناً أشخاصاً بتوزيعها، عبر مراكز في المدينة، من بينها جمعية مشهورة كانت مرخصة آنذاك من النظام اسمها “جمعية البر والخدمات الاجتماعيّة”.
وفق مقاطعة الشهادات التي حصلنا عليها، لم يكن مجلس تل أبيض فلم فعّالاً بشكل كبير في المدينة، إذ إنه أنشئ لفترةٍ “مؤقَّتة”، على عكس المجلس التابع للائتلاف.
استمرّ الحال على ما هو عليه حتى آذار العام 2013، مع تغيّر الوضع العسكري في المدينة، لتبدأ مرحلة ثانية من التحدّيات على مستوى التوافقات الداخلية لإعادة تشكيل مجلس موحد للمحافظة، وعلى المستوى الأمني، من ناحية التضييق والقمع الشديدين، على يدّ الفصائل الإسلامية، بلغا حدّ خطف وتغييب رئيس المجلس عبد الله الخليل.
قادت سيطرة الفصائل على الرقّة إلى مرحلة جديدة في مسار قضية المجالس المحلية. ففي بداية نيسان/أبريل العام 2013، تحقّقت تسوية برعاية شخصيات سياسية واجتماعية وتيارات مدنية، قضت بحل مجلس تل أبيض الذي أشرنا إليه سابقاً، برئاسة سعد الشويش، ومجلس المدينة الذي كان برئاسة نبيل الفواز، واستمر عبد الله الخليل كرئيس لمجلس المحافظة، لتُشكل هيئة الحكماء، وعقدت مشاورات لتشكيل هيئة ناخبة لاختيار مجلس مدينة ولتشكيل مجلس محافظة، وفق ناشط مدني، شارك ضمن الهيئة المذكورة، آنذاك، وتحفَّظ عن نشر اسمه.
استمرّ عمل المحامي عبد الله الخليل في رئاسة المجلس حتى شهر أيار/مايو، أي إلى حين خطفه وتغييبه، وشرح خضر الشيخ، الذي كان نائبه حينها، عن هيكليّة المجلس في تلك الفترة: “شكلنا حوالى 16 مجلساً فرعياً، تحت مظلّة مجلس المحافظة، وكانت هناك مجالس لكل من منطقة تل أبيض وبلدة سلوك وبلدة عين عيسى ومنطقة الطبقة ودبسي عفنان آخر حدود الرقّة قرب حلب وتل جعبر والمنصورة ومنطقة تدعى السويدية والسلحبية والكرامة ومعدان والصبخة وهناك مجلس المدينة، وكانت الأموال توزع نسبةً إلى عدد السكّان”.
وحول آلية توزيع الأموال، شرح الشيخ، “كانت تُعقد اجتماعات بين رئيس المجلس الفرعيّ وممثّلين عن مجلسه، ورئيس المجلس ليقرروا، بناء على أسس مختلفة، منها عدد السكان أو الحاجات إذا كان هناك ضرورة ملحة وإسعافية لمنح الأولوية للمجلس الفرعي في الإنفاق، وكل ذلك كان موثقاً في جداول محفوظة لدينا”.
أما مجلس مدينة الرقّة، فرئسه آنذاك المحامي طه الطه، وتضمن حوالى ثمانية مكاتب، منها مكتب التربية ومكتب الإعلام ومكتب المشاريع ومكتب المالية ومكتب الصحة. وبحسب لقاء أجريناه مع فلك الحسن، مديرة مكتب المرأة في مجلس المدينة آنذاك، تشكل المجلس بالانتخاب. مشيرة إلى أن المجلس قام بالكثير من الأعمال على مستوى الخدمات، وتنظيف المدينة، كما فُتِحَت المدارس مجدّداً وبشكل طبيعي في تلك الفترة. تقول الحسن إن الفصائل المسلّحة في الفترة الأولى لتشكيل المجلس كانت تتيح هامشاً من النقاش مع أعضائه، في محاولاتهم الضغط لإعادة تفعيل الخدمات.
لكن المستوى الأبرز من التحديات التي واجهت عمل المجالس المحلية لم يكن الخلاف الداخلي، بل كان العامل الأمني، والتضييق الذي مارسه تنظيم الدولة عقب اقتحامه المشهد العسكري، والذي بلغ حد خطف رئيس مجلس المحافظة المحامي عبد الله الخليل.
استمرّ التضييق الأمني على عمل المجلس المحليّ في الأشهر التالية، ويروي الشيخ، الذي أصبح في تلك الفترة رئيساً للمجلس، خلفاً للخليل، حادثة تعرضه للخطف والسرقة أثناء عودته من تركيا، بعد لقاء مع “الائتلاف”. “كنا ثلاثة أشخاص بيننا المحاسب، حين اعترضنا حاجز عسكري، لا شك أنهم من داعش، رمونا في العراء وصادروا الحقائب وجواز سفري وبطاقتي الشخصية، وكان بحوزة المحاسب 30 ألف دولار أمريكي، أخذوا الأموال، وتركونا في مكان مهجور”.
وفي موازاة التحديات الأمنية استمرت الخلافات الداخلية بين مجلسي المحافظة والمدينة، حتى أيلول/سبتمبر العام 2013، حين نُظِّمت انتخابات جديدة لتحديد أعضاء مجلس مدينة ومجالس فرعية جديدة، وتألف مجلس المحافظة آنذاك من 12 شخصاً. لم يستمر عمل المجلس الجديد لمدينة الرقّة طويلاً، إذ دفعت سيطرة تنظيم الدولة على المدينة بالكامل، مع بداية العام 2014، أغلب أعضائه إلى الخروج من المدينة تحت وطأة التهديدات ونتيجة تزايد عمليات الخطف.
غرقت مدينة الرقّة في الخوف مع تزايد نفوذ التنظيم في المدينة، وشهد النصف الثاني من العام 2013، خروج أغلب الناشطين المدنيّين والسياسيّين، تحت التهديدات الأمنية ونتيجة تكاثر الاعتقالات والاغتيالات وعمليات الخطف والتغييب.
يجمع الشهود الذين التقيناهم على أن المدينة شكلت تدريجياً بيئة طاردة للعمل المدني ولأي صوت مخالف للتنظيم، وتشير إلى ذلك أيضاً الأحداث والتفاصيل الأمنيّة والعسكريّة التي استعرضنا مجموعة منها في هذا التحقيق.
ومن قصص الخروج من الرقّة، ما يرويه ميزر مطر، الذي عمل ناشطاً إعلامياً في الرقّة. يقول إنه غادرها بعد تلقّيه تهديدات من داعش، في تشرين الأول/أكتوبر العام 2013، مشيراً إلى أن مجال النشاط أصبح خطيراً للغاية ما دفع بأغلب الناشطين إلى الخروج.
كما يروي خضر الشيخ، الذي كان رئيس المجلس المحلي للرقة في تلك الفترة، أنه كان في زيارة عمل إلى تركيا حين بدأت المواجهات بين الفصائل وداعش في مطلع العام 2014، ونتيجة تحذيرات تلقاها لم يعد إلى المدينة.
في 6 كانون الثاني/يناير 2014، بدأ هجوم مشترك على التنظيم من “أحرار الشام” وفصائل الجيش الحر في “لواء ثوار الرقّة” ومقاتلين من “النصرة” ممّن لم يبايعوا داعش. في بداية الهجوم تراجع مقاتلو التنظيم وحوصروا في مبنى المحافظة، واستطاعت الفصائل تحرير عشرات المعتقلين من سجون التنظيم قبل أن تتغير المعادلة لصالحه [21].
أدت الخلافات بين “أحرار الشام” و”النصرة” وفصائل الجيش الحر إلى تسهيل سيطرة التنظيم على مدينة الرقّة في غضون أيام قليل بعد بدء المعركة، وبحلول 13 كانون الثاني/يناير العام 2014، كانت الرقّة بالكامل في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، واستمر ذلك حتى العام 2017.
ويوضح الجدول التالي أبرز المفاصل في الصدامات العسكرية أثناء محاولة داعش فرضه السيطرة على المدينة:
التاريخ | الحدث |
06-01-2014 | واصلت “جبهة النصرة” و”الجبهة الإسلامية” وفصائل أخرى عملياتها في محافظة الرقّة التي أطلقتها تحت اسم “فك العاني من سجون الجاني” بهدف إطلاق سراح أكثر من 100 من مقاتلي جبهة النصرة وغيرها من الفصائل من سجون تنظيم داعش. |
07-01-2014 | اشتباكات بين جبهة النصرة و”الجبهة الإسلامية” من جهة، ومقاتلي داعش من جهة أخرى |
08-01-2014 | تواصلت الاشتباكات لليوم الرابع على التوالي بين جبهة النصرة و”الجبهة الإسلامية” من جهة، ومقاتلي داعش من جهة أخرى. وتركّزت في مدينة الرقّة، في حي البياطرة ومحيط حديقة الرشيد، وعند مقر الهيئة الشرعية، وفرع الأمن السياسي، وسيطرت “النصرة” على فرع الأمن السياسي ومبنى إدارة حوض الفرات. |
09-01-2014 | دارت اشتباكات بين “النصرة” و”الجبهة الإسلامية” من جهة ومقاتلي داعش، من جهة أخرى في شارِعَيْ 23 شباط وتل أبيض في مدينة الرقّة. سيطر التنظيم في هذه الاشتباكات على مقام أويس القرني والمتحف، واستعادت الفصائل مبنى المياه بعد سيطرة التنظيم عليه في الأيام السابقة. |
10-01-2014 | تواصلت الاشتباكات بين النصرة و”الجبهة الإسلامية” من جهة، وداعش من جهة أخرى وقتلت الفصائل أبو بكر الفراتي، قائد العمليات العسكرية للتنظيم في الرقّة، مع 25 مقاتلاً على حاجز المشلب، وأعدم التنظيم أربعة من مقاتلي “النصرة” بعد أسرهم. |
11-01-2014 | سيطر داعش على البوابة الحدودية مع تركيا في مدينة تل أبيض بعد اشتباكات مع “حركة أحرار الشام” وفجّر عددًا من منازل مقاتلي “لواء شيخ الإسلام” في المدينة. |
12-01-2014 | أرسل التنظيم سيارة مفخخة إلى مقام أويس القرني لكنها انفجرت إثر استهدافها بقذيفة “أر بي جي” قبل وصولها إلى المقام الذي يتخذه “لواء ثوار الرقّة” مقرًا له، وعثر على 62 جثة تعود لمقاتلين من “النصرة” و”الجبهة الإسلامية” في المستشفى الوطني في المدينة، قضوا خلال المواجهات ضد التنظيم في الأيام السابقة.
كما أعدم التنظيم أكثر من 100 مقاتل من “حركة أحرار الشام” بالقرب من منطقة الكنطري بعد انسحابهم من مدينة الرقّة. |
13-01-2014 | دارت اشتباكات في مدينة الرقّة بين “جبهة النصرة” و”لواء ثوار الرقّة” من جهة، وداعش من جهة أخرى. سيطر “لواء ثوار الرقّة” على مبنى مديرية الكهرباء، وقصف داعش حي الرميلة بقذائف الدبابات. |
14-01-2014 | دارت اشتباكات في مدينة الرقّة بين “لواء ثوار الرقّة” وداعش. |
اسم الفصيل | المصير |
“جبهة تحرير الرقة” | ضمت “جبهة تحرير الرقة”، عدداً كبيراً من الألوية والكتائب العسكرية، لمحاربة تنظيم الدولة. بعد سيطرة داعش على الرقة انتقلت الجبهة إلى منطقة عين العرب وشاركت “وحدات حماية الشعب” بالمعارك ضد التنظيم في شمال محافظة الرقة وغرب محافظة حلب |
لواء ثوار الرقة | دخل ضمن تحالف “جبهة تحرير الرقة” وشارك في المعارك ضد تنظيم الدولة، وخرج بعد خسارة الرقة نحو الريف الشمالي. لاحقاً انضم لقوات سورية الديمقراطية تحت اسم جبهة ثوار الرقة. |
كتيبة حذيفة بن اليمان | انضمت الكتيبة إلى “جبهة تحرير الرقة”، أواخر 2013. واتهمت بمشاركة أفراد منها إلى جانب داعش في مهاجمة جبهة النصرة في مدينة الرقة. في 24 كانون الثاني/يناير 2014، أصدرت “جبهة الأصالة والتنمية” الكويتية الداعمة للكتيبة، بياناً رسمياً أعلنت فيه إنهاء عمل فصائلها. انضم من تبقى ضمن كتيبة “حذيفة بن اليمان” إلى صفوف داعش |
الفيلق الثاني | كان الفيلق تنسيقياً أكثر من أن يكون كياناً موحداً |
الفرقة 11 – جيش حر | تم حله في نهاية 2013 |
لواء الناصر صلاح الدين الأيوبي | انضمت لـ “لواء ثوار الرقة”، ثم استقلت عنه، ولاحقاً انضمت لـ “جبهة الوحدة والتحرير”، في 11 تشرين الثاني/ أكتوبر 2013، اعتقل قائد اللواء بتهمة التعامل مع النظام، ليتم لاحقاً حل التنظيم |
لواء الجهاد في سبيل الله | شارك اللواء في معارك ضد النظام وتنظيم الدولة، وتحالف مع “وحدات حماية الشعب” في معركة عين العرب. أعاد هيكلته كما “لواء أحرار الرقة” في 2014، وانضم لـ “قوات سوريا الديمقراطية” عام 2016، وواصل العمل ضمن صفوفها حتى الآن. |
لواء أويس القرني | حُلّ اللواء في بداية عام 2014 من قبل داعش، وضم عناصره. |
لواء أحفاد الرسول | أدى استهداف داعش لمقر اللواء في آب/أغسطس 2013 إلى انسحابه من الرقة. |
لواء المنتصر بالله | انضم لـ “جبهة تحرير الرقة”، كما انضم إلى “الفرقة 11”. |
“لواء إعصار الشمال” | أنهى داعش وجوده مطلع 2014. |
“جبهة الوحدة والتحرير الإسلامية في الرقة” | وُجّهت اتهامات لقائدها بتسليم الأب باولو لتنظيم الدولة. حُلّت الجبهة في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، وانضم مقاتلوها لداعش. |
توقفت جميع مظاهر العمل المدنيّ، وسيطر التنظيم على الحياة العامة والمؤسسات، وفي الأيام الأولى من استيلائه على الرقّة، وضع يده على المجلس المحلي، وأعاد هيكلته بعد إزاحة رئيسه. خفتت جميع الأصوات العلنية، واضطر أبناء المدينة مرغمين إلى تطبيق شريعة داعش الجديدة، بينما تعرّض من خالفها للاعتقال والجلد والتعذيب، وحتى الإعدام.
وسط ذلك نشأت حملة “الرقّة تُذبح بصمت” في نيسان/أبريل العام 2014 التي عملت عليها مجموعة من أبناء المدينة بسرية تامة في بادئ الأمر. أشرف على الحملة مجموعة من الناشطين المحليين الذين قرّروا التصدّي للتغييرات التي فرضها داعش على المجتمع المحلي ما أدّى إلى عزله عن العالم الخارجي، في وقت كان فيه الإعلام مُغيّباً والمعلومات حول ما يحدث في الداخل شحيحة للغاية، بسبب ملاحقة التنظيم لأي نشاط إعلاميّ.
أرادت الحملة تحقيق أهداف عدة، أبرزها توثيق الانتهاكات اليومية التي ارتكبها عناصر التنظيم، وتسليط الضوء على الإعدامات العلنيّة، والتغييب القسريّ وعمليات التجنيد الإجباري للأولاد، وإجبار السكان على الانصياع لقوانين متشدّدة،. كما عملت الحملة على حشد التضامن الدوليّ مع الضحايا.
وبعد أسبوعين من انطلاقها هدّد التنظيم في خطبة الجمعة كل من يتعامل مع الحملة بالاعتقال والقتل، وبعد الخطبة ألقي القبض على مئات المدنيّين ممن تابعوا صفحة الحملة على “فيس بوك”[22].
تشير وثيقة محفوظة في أرشيف متحف سجون داعش إلى أن التنظيم وضع يده على منزل أحد مؤسسي “الرقة تذبح بصمت في الحملة، واستخدمه كمقر له. تصف الوثيقة، الموجهة إلى “والي الرقة”، صاحب المنزل بـ “المرتد وعميل التحالف الدولي”، وهي تهمة كانت تنسب لكل من عملوا في النشاط الإعلامي، كما تنوّه إلى أن عدد من المتعاونين مع مؤسس الحملة قد قُبض عليهم.
نتيجة الاستهداف المباشر من التنظيم، تجنّبت الحملة اعتماد وسائل الاتّصال التقليديّة واعتمدت على الشبكات السريّة لنقل المعلومات وتسريب الصور والفيديوهات إلى الخارج. وكثيراً ما كان الناشطون يتنقلون بين المنازل أو يهربون من المدينة لضمان سلامتهم وسط ملاحقات وتهديدات مستمرّة.
لاحقاً، تمكّن التنظيم من اغتيال اثنين من أبرز ناشطي “الرقّة تذبح بصمت” في أيلول/سبتمبر العام 2015 في مدينة أورفا التركيّة، وهما إبراهيم عبد القادر وفارس حمادي، وذلك بعد أن خرجا من الرقّة خوفاً من بطش التنظيم. تبنّى داعش تلك العملية في شريط مصور نشره عبر قنواته الرسميّة، موجهاً إلى الناشطَيْن تهمة “التآمر مع الصليبيين ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.
استمر عمل الحملة خلال الأعوام التالية، رغم التحديات الأمنية الكبيرة، وكانت مصدراً رئيسياً لتغطية أخبار الحرب على التنظيم خلال العام 2017، ومواقع القصف وأعداد الضحايا. ولا تزال “الرقة تذبح بصمت” قائمة حتى اليوم، يحمل أرشيفها الكثير عن يوميات المدينة القاتمة في ظل داعش، وقصص عن ضحايا وناجين ومقاومين، من حقبة كان العنف والسجون والمقابر الجماعية أبرز سماتها.