روبن ياسين قصاب
تمدَّد “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في منطقة مليئة بالاضطرابات المستمرَّة منذ عقود، ونفَّذ مجازر وجرائم متَّسِقة إلى حدّ كبير مع واقع العنف السياسيّ وتاريخه فيها. فلسنواتٍ طويلة حكم تلك المنطقة نظامان دكتاتوريّان، هما نظام البعث في العراق ونظام البعث في سوريا.
اشترك داعش مع هذين النظامين في المبدأ الأساسي نفسه، القائم على ضرورة سحق أيّ معارضة سياسيّة بقبضة من حديد، وإحكام السيطرة على المجتمع من خلال بَثِّ الرعب والترهيب في نفوس المواطنين.
وفي هذا المقال نحن نبحث في الجذور العميقة للعنف الذي مارسه داعش، والذي لم يكن مجرَّد وليد فكرٍ متطرِّف منفصل عن الواقع، بل شكّل امتداداً لإرثٍ طويٍل من القمع مارسته أنظمة الحكم الاستبداديّة في المنطقة. فالتنظيم اعتمد أساليب تعذيب وإعدامات ميدانية ومجازر سبقتها عقود من القمع المنهجيّ الذي أرساه حزبا البعث السوري والعراقي، كما شكّلت السجون ومراكز الاعتقال وسائل أساسيّة في ترسيخ السلطة عبر سياسة الترهيب وإخضاع المجتمع بالقوة.
تأسَّس حزب البعث السوريّ في دمشق، في العام 1947 على يد ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار، وطرحَ رؤيةً حالمةً للقومية العربية، تُصوّر العرب كَُقوَّة إبداعية “خالدة”، إذ كان يتوق إلى إقامة دولةٍ عربيّة موحَّدة تمتد من شواطئ الأطلسي إلى الخليج العربي.
لم يكن حزب البعث مجرَّد ردِّ فعلٍ على الاستعمار، بل حاول في بعض جوانبه تأسيس ما يشبه الدين العلمانيّ، ولكن بصيغة قوميّة. وفي هذا السياق القوميّ العربيّ استلهم بعض المفاهيم الدينيّة وأعاد توظيفها عبر عقيدته، كما يتبيَّن في أحد شعاراته: “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”.
في السابق، كانت كلمة “أمّة” تُستَعمَل للإشارة إلى المجتمع الإسلاميّ ككلّ، وليس إلى العرب فقط، بينما كلمة “رسالة” ارتبطت بالوحيّ الإلهيّ الذي نزل على النبي محمد. لكن حزب البعث خلع على هذه المصطلحات دلالات مختلفة جاعلاً العروبة بديلاً مِنَ الهوية الدينيّة، ومقدّمًا نفسه كحركةٍ تحمل رسالة مقدسة.
ضمَّ حزب البعث في مراحله الأولى عدداً كبيراً من المثقَّفين والمعلمين وطلاب المدارس[1]، لكنه سرعان ما جذب الضباط العسكريّين إلى صفوفه، وهذا ما أدّى إلى تطوّرٍ بالغ الأهمية، إذ أصبحت السياسة في كل من سوريا والعراق تُحسم عبر الانقلابات العسكريّة.
ففي 8 شباط/فبراير العام 1963، نفَّذ البعثيّون انقلاباً دموياً في العراق، انتهى بمقتل الرئيس عبد الكريم قاسم والمئات من أعضاء الحزب الشيوعيّ العراقيّ. وهناك اعتقاد سائد بأنّ وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة زوّدت الضباط البعثيين قوائمَ بأسماء الشيوعيّين لتصفيتهم، لكن لم يثبت ذلك حتى اليوم. فالأستاذ براندون وولف- هونيكوت يصف في كتابه الصادر في العام 2021، تلك الأحداث بأنها “لا تزال غارقة في ستار من السريّة الرسميّة. فهناك الكثير من الوثائق ذات الصلة التي ما يزال بعضها طيّ السِّرّية، فيما أُتلِف البعض الآخر، وهناك وقائع لم تُكتب أصلًا”[2].
فقد البعثيّون السلطة في العراق بعد بضعة أشهر، إلا أنهم عادوا إليها مجدّدًا بانقلاب عسكريّ آخر في تموز/يوليو العام 1968، ليؤسسوا نظاماً دكتاتورياً استمرّ حتى الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003.
أما في سوريا، فقد تشكّلت في العام 1959 لجنةٌ عسكريّة سريّة من الضباط البعثيّين، ضمّت حافظ الأسد وصلاح جديد. وفي آذار/مارس العام 1963، نفّذت هذه اللجنة انقلاباً ناجحاً أوصل جديد إلى السلطة، لكنّ الأسد أطاح به في العام 1970 وتولّى السلطة. وقد استمر حكمه، ثم حكم ابنه بشار الذي خلفه، حتى كانون الأول/دسمبر العام 2024.
مع أنّ حزب البعث تبنّى إيديولوجيا قوميّة عربيّة إلا أنّه انقسم في العام 1966 إلى جناحَيْن متنافسين في سوريا والعراق، وسرعان ما دخلا في صراع لم يكن مدفوعًا بالخلافات الفكريّة بقدر ما كان صراعًا على السلطة والنفوذ. ففي ذلك الوقت، لم يعد الحزب حركة سياسيّة بالمعنى الصحيح للكلمة، بل تحوَّل وسيلة لترسيخ الحكم الاستبداديّ في كلا البلدين.
في سوريا، رسّخ حافظ الأسد سلطته بعد الانقلاب الذي نفّذه العام 1970 على مدى 30 سنة ليورّث الحكم بعد وفاته في العام 2000 لابنه بشّار، فيما أحكم صدام حسين قبضته على العراق، محوّلًا الدولة إلى حكم عائلي “مُركَّز” بين أبنائه وأبناء عمومته. ومع مرور الوقت، أصبح تأليه الزعيم سمة بارزة في النظامين، فانتشرت تماثيل القادة في الساحات العامة، وازدانت الجدران والمكاتب بصورهم، فيما البلاد تشهد مجازر وانتهاكات طالت معارضيهم، لترسم بذلك تاريخًا من القمع باسم الحزب الحاكم.
شهدت المنطقة موجات متكرِّرة من العنف على مدار تاريخها، خصوصاً في محطّات التغييرات السياسية الكبرى. فعندما كانت الدولة العثمانية في مراحل انهيارها وقعت صراعات دامية هنا وهناك، مثل أحداث جبل لبنان العام 1860، والاضطرابات التي استهدفت السكان المسيحيّين في دمشق، مروراً بمجازر الأرمن والآشوريّين في خلال الحرب العالمية الأولى، وصولاً إلى ما عُرف بـ “الفرهود”، وهي مذبحة استهدفت اليهود في بغداد في الحرب العالمية الثانية.
لكن في ظلّ حكم البعثَيْن في العراق وسوريا، لم يكن العنف وليد صراعات سياسيّة أو اجتماعيّة، بل تحوّل وسيلة رئيسة في إدارة الحكم. لم تُرتكب المجازر كرد فعل على أزمات معينة، بل اعتُمِدَت بشكل مُمَنْهَج لبسط السيطرة، إلى جانب طرائق أخرى مثل السجون والاعتقالات التعسُّفية. كان العنف وسيلة لترسيخ سلطة لا تقبل المعارضة، ورسالة واضحة بأن أي محاولة للخروج على النظام القائم ستُقابل بالقوة والقمع من دون أيّ تَرَدُّد.
استولى حزب البعث العراقيّ على السلطة في العراق العام 1968، ومع مرور السنوات تزايد نفوذ صدّام حسين داخل أروقة الحكم إلى أن تولّى رئاسة الجمهورية في العام 1979. استهلّ عهده بإحكام قبضته على الحكم عبر حملة تطهير دموية أودت بحياة 21 من رفاقه في الحزب، أُعدِموا جميعًا رمياً بالرصاص.
أعطت هذه المجزرة المبكرة إشارة واضحة إلى النهج الذي سيتّبعه النظام في السنوات اللاحقة. ففي ثمانينات القرن العشرين، ووجهت كلُّ معارضة سياسيّة بالقمع الشديد، فاختفى في حينه عشرات الآلاف، خصوصاً من الناشطين الشيوعيّين وأعضاء الأحزاب الكردية وغيرها من القوى المعارضة، ويُرجَّح أنّ العديد منهم لقوا حتفهم داخل السجون.
كما استهدف النظام المجتمعات التي اعتبرها غير موالية له، لاسيّما تلك الواقعة في المناطق الحدودية، حيث تصاعد القمع بشكل غير مسبوق أثناء الحرب العراقيّة-الإيرانيّة (1980-1988) التي شهدت عمليّات أمنيّة صارمة ضد كل من اشتُبه في ولائه للعدو.
كانت قبائل الكُرْد الفيليّين من أبرز المجتمعات التي استهدفها نظام صدام حسين، وهم مجموعة عرقيّة تتحدث لهجة كردية خاصة وتعيش على جانبي الحدود ما بين العراق وإيران. وما بين العامَيْن 1970 و2003 تعرّض ما بين 300 ألف و500 ألف شخص من هذه الجماعة للترحيل القسري إلى إيران، في واحدة من أكبر عمليات التهجير الجماعي التي شهدتها البلاد.
وقد بلغ القمع ذروته في خلال الحرب العراقيّة-الإيرانيّة، خصوصاً بعد صدور القرار 666 في العام 1980، الذي نصّ على إسقاط الجنسية العراقية عن الكرد الفيليّين ومصادرة ممتلكاتهم وترحيلهم قسراً. لكن لم يكن التهجير هو عقوبتهم الوحيدة، إذ اختفى منهم ما لا يقلّ عن 15 ألف شخص في ظروف غامضة، وسط تقارير عن إعدامات جماعيّة مُمَنْهجة. وفي العام 2011، وبعد سقوط نظام البعث أقرّ البرلمان العراقي بأن ما تعرّض له الكُرْد الفيليّون يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعيّة.
لم يكن الكُرد الفيليّون وحدهم ضحايا هذه السياسات، فقد استهدف النظام قبائل كردية أخرى، منها مثلاً عشيرة البارزاني. ففي تموز/يوليو وآب/أغسطس العام 1983، اختُطف أكثر من ثمانية آلاف رجل وفتى من أبنائها، بعضهم لم يتجاوز حينها الثالثة عشرة من العمر، ليُعدموا لاحقاً في واحدة من أكثر الجرائم وحشيّة.
وصلت عمليات الإبادة التي نفذها نظام صدام حسين ضد الأكراد إلى ذروتها في خلال حملة الأنفال التي استمرت من شباط/فبراير إلى أيلول/سبتمبر العام 1988. استمدّت الحملة اسمها من سورة الأنفال في القرآن، التي تتحدّث عن انتصار جيش صغير على قوة أكبر، لكن ما حدث كان العكس تمامًا. فقد شنّ الجيش العراقي، المدعوم بالأسلحة الكيميائية والمدفعية الثقيلة وسلاح الجو، هجوماً واسعاً استهدف من دون تمييز المدنيّين والمقاتلين الأكراد على حدّ سواء.
أسفرت الحملة عن تدمير ما يقارب ألفي قرية كرديّة، ومقتل ما بين 50 ألف و100 ألف شخص، معظمهم من المدنيّين العُزَّل. وقد نُفِّذت المجزرة في عمليّات على ثماني مراحل، وُجّهت سبع منها ضدّ مناطق يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطنيّ الكردستانيّ، فيما استهدفت العمليّة الأخيرة معاقل الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ، وهما حزبان قادا حركات مسلَّحة معارضة للحكومة المركزيّة، وتحالفا عسكريّاً مع إيران.
وبالرغم من تذرّع النظام بأن الحملة كانت مجرَّد “عمليات لمكافحة التمرد”، فإنها سعَت في الواقع إلى القضاء على المقاتلين والمدنيّين معاً، وذلك باعتماد أساليب ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وهو توصيف أيّدته منظمة “هيومن رايتس ووتش”[3] وعدد من الجهات الحقوقيّة الدوليّة.
تُعتَبَر مجزرة مدينة حلبجة واحدة من أبشع فصول حملة الأنفال التي شنّها نظام صدام حسين ضدّ الأكراد في العراق. ففي 16 آذار/مارس العام 1988، وعلى أثر سيطرة مقاتلي الاتّحاد الوطني الكردستاني على عليها بالتنسيق مع القوات الإيرانية، تعرضت هذه المدينة الحدوديّة لحملة قصف جويّ استُعمِلت فيه الأسلحة الكيمياويّة. فمع بدء الهجوم، انفجرت القنابل السامة التي أطلقتها الطائرات العراقية فوقها، مُفرغة سمومها في الهواء. وقد أفاد الشهود بأنّهم رأوا تصاعد دخان أبيض وأسود وأصفر من القنابل. وقد رُجِّح أنّ الموادّ التي استُعمِلت كانت تشكيلةً من غاز الخردل ومن غازات أعصاب أخرى قاتلة. وقد أسفرت العمليّة عن مقتل ما بين 3200 و5000 شخص وإصابة ما بين سبعة آلاف وعشرة آلاف آخرين.
لم تكن حلبجة المدينة الوحيدة التي تعرضت لهذا الهجوم الكيمياوي، إذ طالت الأسلحة الكيمياوية العديد من البلدات والقرى الأخرى في المنطقة، ما أدى إلى إفراغها كلّياً من سكّانها. في هذه المناطق، قُتل الرجال أو أُجبروا على الفرار، فيما نُقلت النساء والأطفال إلى معسكرات تحت إشراف الدولة.
ظلّت المناطق الحدودية التي تعرضت للقصف الكيمياوي شبه خالية من السكان حتّى العام 1991، حين حصل إقليم كردستان العراق على حكم ذاتي في ظلّ حماية دوليّة. وفي خطوة متأخرة نحو العدالة، نُفّذ حكم الإعدام بقائد حملة الأنفال، علي حسن المجيد (الذي لُقِّب بعدها بـ”الكيماوي”)، وذلك في كانون الثاني/يناير العام 2010[4].
عانى المدنيّون في المدن الإيرانيّة بشكل شديد من الهجمات التي شنّها نظام صدام حسين في خلال الحرب العراقية- الإيرانية التي استمرَّت ثماني سنوات. كما دفع الجانبان ثمنًا فادحًا في الأرواح، إذ خسر كل منهما مئات الآلاف من الجنود. ومع انتهاء هذه الحرب في العام 1988، تمكّنت إيران من التعافي تدريجياً، فيما انزلق العراق سريعاً إلى حرب أخرى، بعد قرار صدام حسين بغزو الكويت في العام 1990.
حاول صدام حسين تبرير غزوه بادّعائه أنّ الكويت هي جزء من العراق، وهو ما رفضه المجتمع الدولي بشكل قاطع. وكانت النتيجة أنّه في العام 1991، شنّ تحالف مؤلَّف من 42 دولة ما عُرِف بعمليّة “عاصفة الصحراء” (حرب الخليج الأولى)، التي أسفرت عن طرد الجيش العراقي من الكويت. ولم تقتصر نتيجة هذه الحرب على تدمير القوة العسكرية للعراق وحسب، بل ألحقّت دماراً واسعاً بالبنية التحتية المدنية في البلاد.
بعد هذه الهزيمة أحسّ الكثير من العراقيين أن الوقت قد حان للإطاحة بنظام صدام حسين. وكان خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في 15 شباط/فبراير العام 1991، الذي بُث عبر إذاعة “صوت أمريكا”، قد زاد آمالهم في تغيير النظام، إذ دعا فيه “الجيش العراقيّ والشعب العراقيّ إلى التحرك وإجبار صدام حسين على التنحّي”.
انتفاضات الجنوب والشمال
في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل العام 1991، اندلعت انتفاضات واسعة ضد نظام صدام حسين في شمال العراق الذي تقطنه أغلبيّة كرديّة، وفي جنوبه ذي الغالبيّة الشيعيّة. جاءت هذه التحركات بعد هزيمة العراق العسكرية في حرب الخليج الأولى، وهو ما شجع العراقيين على التمرّد ضدّ النظام الذي أرهق البلاد بالحروب والسياسات القمعيّة.
في الجنوب، شكل الجنود الفارّون من الجيش العراقي نواة التمرّد، وانضم إليهم مقاتلون من “فيلق بدر” وهم جماعة مدعومة من إيران، إلى جانب مدنيّين مسلحين وغير مسلحين. ومع أنّ الغالبية العظمى من المنتفضين كانوا من الشيعة، إلا أن الانتفاضة ضمت أيضًا معارضين آخرين من السنة، وناشطين يساريّين، ومناهضين سياسيّين لنظام البعث.
حقّقت الانتفاضة الجنوبية نجاحات سريعة بالرغم من افتقارها إلى التنظيم والتخطيط المركزي، وسيطرت مؤقتًا على مدن رئيسية مثل البصرة والعمارة والديوانية والحلة وكربلاء والنجف. لكن، وبعكس التوقّعات، لم تتدخّل الولايات المتحدة لدعم التمرّد، بل اتّخذت مواقف أعاقَت تقدمه في بعض الحالات، إذ دمّرت قواتها مثلاً مستودعات الذخيرة التي استولى عليها المتمردون، كما وفّرت الحماية لبعض مواقع الجيش العراقي.
وعليه، عاد النظام العراقيّ يُمسِك بزمام الأمور بعد توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار بين القادة العسكريّين العراقيّين والجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف، الذي سمح للنظام باستعمال طائراته المروحية. كان هذا القرار حاسمًا في قمع الانتفاضة، إذ اعتمد الجيش العراقي على القصف الجوي لاستعادة المدن، ما أحدث تحولًا لصالحه في مسار المواجهة.
في مذكراته “رحلتي الأمريكية” (1995)، كتب الجنرال كولن باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك:
“كانت نيتنا العملية هي ترك بغداد على قدر كافٍ من القوة لتبقى تهديدًا لإيران”[5].
دفعت مدن الجنوب الثمن الأكبر لهذا القرار، وللدمويّة التي اعتمدها النظام في قمع الانتفاضة. فقد استعملت القوات العراقيّة المدفعيّة، والدبابات، والطائرات المروحية، في عمليّات قصفٍ عشوائي أدّى إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين. كما استُهدفت المراقد الدينيّة والمواقع الثقافيّة عمدًا، فيما نُفّذت عمليات إعدام واسعة وشاملة، ودفن ضحاياها في مقابر جماعية[6].
أمام هذا القمع، لجأ مئات الآلاف من المدنيين والمقاتلين إلى أهوار الحويزة، وهي منطقة ذات بيئة طبيعيّة فريدة كانت ملاذًا للمنفيّين والمتمرّدين. لكن النظام لم يترك لهم فرصة للنجاة، إذ شن حملة أمنية واسعة أعدم فيها مئات الأشخاص. وفي تموز/يوليو العام 1992، بدأ تجفيف الأهوار[7] بشكل مُمَنْهَج، ما أدّى إلى تقليص حجمها إلى مستويات غير مسبوقة، مدمّرًا البيئة الطبيعية للمنطقة، ومجبرًا سكانها على ترك أسلوب حياتهم التقليدي.
كل ذلك دفع بعض المراقبين إلى وصف ما حدث بأنه “إبادة بيئيّة” (إيكوسايد)[8]، نظرًا لتداعياته الكارثية على السكان والبيئة على حدٍّ سواء.
الانتفاضة الكردية: نجاح محدود
على عكس انتفاضة الجنوب، اتَّسَمت الانتفاضة الكردية في شمال العراق بدرجة أكبر من التنظيم بقيادة كل من “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”. فقد تمكّن المتمرّدون من السيطرة على معظم المدن الكردية الكبرى، باستثناء الموصل، التي ظلت تحت سيطرة النظام.
في السليمانيّة، اعتقل المقاتلون الأكراد مئات المسؤولين التابعين لحزب البعث وأعدموهم. كما استولوا على كميات ضخمة من الوثائق التي كشفت عن جرائم النظام في حملة الأنفال، إذ حصلت منظَّمة “هيومن رايتس ووتش” لاحقًا على 14 طناً من هذه الوثائق.
لكن كما حدث في الجنوب، لم يستمرّ التقدُّم الكرديّ طويلًا، إذ تمكّن النظام من استعادة السيطرة على المدن بالقوة، ما أدّى إلى موجة نزوح جماعيّ وفرار مئات الآلاف في اتجاه الحدود مع تركيا وإيران، بحثًا عن ملاذٍ آمن.
لم يكن الهروب كافياً لتجنّب العنف، إذ تعرّض كثيرون مِمَّن حاولوا الفرار لمجازر مروعة وقُتل المئات يوميًا سواء بسبب الألغام الأرضية أو عبر استهدافهم من الطائرات المروحية.
وقد وردت أيضاً تقارير عدّة عن إعدامات جماعية استهدفت الأكراد وأقليات أخرى. أبرزها ما حدث في بلدة آلتون كوبري شمال غربي محافظة كركوك، يوم 28 آذار/مارس العام 1991، حيث جُمع الذكور المتبقّين من السكان التركمان وأُعدموا جماعياً ودُفنوا في مقبرة جماعية.
في آذار/مارس العام 1991، فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر طيران فوق شمالي العراق، ما وفَّر بعض الحماية للمدنيّين، ومكّن المقاتلين الكرد من مواصلة القتال.
وبحلول تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته، تمكّن الأكراد من التفاوض على حكم ذاتي في ثلاث محافظات عراقيّة، وتأسَّست بموجبه حكومة إقليم كردستان التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
في آذار/مارس العام 2003، غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق وأطاحتا بنظام البعث. وفي فترة الاحتلال، ارتكبت قواتهما أيضاً عدّة مجازر، من بينها مجزرة حديثة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر العام 2005، قتل فيها مشاة البحريّة الأمريكية 25 مدنيًا غير مسلحين بشكل عشوائي بعد مقتل ضابط أمريكي بعبوة ناسفة. حاول المسؤولون الأمريكيون التستُّر على الجريمة، إلا أن المحاولة باءت بالفشل نتيجة جهود الناشط طاهر ثابت من منظمة حمورابي لحقوق الإنسان، الذي وثّق آثار المجزرة، إلى جانب تحقيقات صحافيّة أجراها تيم ماكغيرك لمجلة “تايم”[9].
مع انهيار النظام لاحقت قوّات الاحتلال قادة نظام البعث العراقيّ واعتقلتهم، ومن بينهم صدام حسين نفسه الذي أُلقي القبض عليه في كانون الأول/دسمبر العام 2003. خضع صدام للمحاكمة بتهمة مسؤوليته عن مجزرة الدجيل العام 1982، التي نفّذها كإجراء انتقامي عقب محاولة اغتيال فاشلة استهدفته، وأسفرت عن مقتل 140 شخصاً على الأقلّ، إضافة إلى نفي المئات وتدمير منازلهم. انتهت محاكمة صدام بإدانته وإعدامه شنقاً في 30 كانون الأول/دسّمبر العام 2006.
رأى البعض أن صدام كان يجب أن يُحاكم على جميع الجرائم التي ارتكبها بحق العراقيّين، وليس فقط لارتكابه مجزرة الدجيل. ومع أنّ إعدامه مثّل شكلاً من أشكال العدالة، إلا أن توقيته وظروفه أثار الجدل، إذ جرت المحاكمة في ظل الاحتلال الأمريكي، كما أن الهتافات الطائفية التي أُطلقت أثناء تنفيذ الحكم عمّقت الانقسامات داخل العراق.
في تلك الفترة، كانت البلاد تغرق في حرب طائفيّة، وقد تفاقمت بعد تفجير مرقد العسكريّين في سامراء في 22 شباط/فبراير العام 2006، وهو موقع مقدس عند الشيعة. وفي العامين 2006 و2007 تصاعدت التفجيرات الانتحارية في الأسواق المزدحمة بالمناطق ذات الأغلبيّة الشيعيّة، فيما انتشرت عمليات القتل الانتقامي، فصار يُعثر يومياً تقريباً على جثث مدنيين سنّة أُعدِموا رمياً بالرصاص وهم معصوبو الأعين ومقيَّدو الأيدي. وكانت الجماعات السنّية المتشددة تتّهم الشيعة بالخيانة والتعاون مع الاحتلال الأمريكي، بينما حمّلت الميليشيات الشيعية السنّة مسؤولية الإرهاب وجرائم نظام البعث، ما أدّى إلى انقسام مجتمعيّ عميق زاد من تعقيد المشهد العراقي.
لم تكن الساحة السياسية في سوريا أقل عنفًا مما شهدته نظيرتها في العراق، إذ تصاعدت المواجهات بين نظام حافظ الأسد ومعارضيه في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي. واجه الأسد في حينه تحدّياً مزدوجاً من جماعة الإخوان المسلمين ومن بعض الحركات اليسارية، وهو ما أدى به إلى القيام بحملة قمع واسعة شملت اعتقال الآلاف وإعدام العديد منهم من دون محاكمة.
في المقابل لجأت “الطليعة المقاتلة”، وهي الجناح المسلّح للإخوان المسلمين، إلى التحرك على الأرض. ففي 16 حزيران/يونيو العام 1979، اقتحمت عناصرها مدرسة المدفعيّة في حلب، وفصلَت عشرات الطلاب العسكريين من الطائفة العلوية عن زملائهم، وأعدمتهم رميًا بالرصاص. كما حاولت الجماعة لاحقًا اغتيال حافظ الأسد، وهو ما دفع شقيقه رفعت الأسد، إلى الردّ بعمليّة انتقاميّة بالغة العنف. ففي 27 حزيران/يونيو العام 1980، نفّذت القوات الخاصة مجزرة مروعة في سجن تدمر، راح ضحيتها نحو ألف معتقل، معظمُهم من المنتمين إلى الإخوان المسلمين[10].
بلغ العنف ذروته في شباط/فبراير العام 1982 عندما سيطرت “الطليعة المقاتلة” على مدينة حماة وقتلت عشرات المسؤولين البعثيّين. فردّ النظام بحصار خانق على المدينة، وبقصف جوي ومدفعي مكثف، تلاه اجتياح بري تخللته عمليات قتل ممنهجة من منزل إلى آخر. أسفرت الحملة عن دمار واسع، إذ سُوّيت أجزاء كبيرة من المدينة بالأرض، وسقط ما بين 25 و40 ألف قتيل، معظمهم من المدنيين.
كانت هذه المجزرة صادمة لدرجة أنها زرعت الرعب في نفوس السوريين طوال ثلاثة عقود من حكم الأسد الأب، وحوّلت البلاد، وفق تعبير المعارض اليساري رياض الترك، إلى “مملكة الصمت”.
في آذار/مارس العام 2011، كسرت الثورة السورية حاجز الصمت الذي فرضه القمع على مدى عقود. ومع تصاعد الاحتجاجات، حاول النظام إعادة ترسيخ الخوف عبر الاعتقالات والتعذيب وإطلاق النار على المتظاهرين. كانت التظاهرات الكبرى تخرج أيام الجمعة، وغالبًا ما كانت قوات الأمن تواجهها بالعنف، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى في كل مرّة.
أمام تصاعد القمع، بدأ الأهالي بتشكيل مجموعات مسلَّحة لحماية أنفسهم، وسرعان ما تحولت الانتفاضة إلى صراع مسلَّح. ردّ النظام باستعماله أسلحة مخصّصة للحروب النظامية، مستهدفًا الأحياء السكنية بالقصف المدفعي والبراميل المتفجرة وصواريخ سكود، ما أدى إلى دمار واسع وتهجير ملايين السوريّين.
كم نفّّذ النظام، إلى جانب أعمال القصف، سلسلة مجازر ممنهَجة بين العامَيْن 2012 و 2013. فكانت الهجومات تبدأ بالقصف لإخلاء المناطق، ثم تجتاحها مجموعات مسلحة موالية للنظام (شبيحة)، لقتل المدنيّين إما بالإعدام الميداني أو بالحرق أو بالذبح. استهدفت هذه المجازر المدنيّين من الطائفة السنّية، بينما كان مرتكبوها في معظم الأحيان من الطائفة العلويّة. كان الهدف من هذه الجرائم إثارة الفتنة الطائفية لإجبار الأقليات السورية على الاصطفاف مع النظام.
أبرز تلك المجازر كانت مجزرة الحولة في 25 أيار/مايو العام 2012، والتي قُتل فيها 108 أشخاص معظمهم من النساء والأطفال. ومجزرة القبير في 6 حزيران/يونيو العام 2012 التي راح ضحيتها ما بين 55 و87 شخصاً، بالإضافة إلى مجزرة التريمسة في 12 تموز/يوليو من العام نفسه، والتي قُتل فيها ما بين 68 و103 أشخاص[11].
امتدت المجازر إلى داريا حيث لقي 700 شخص مصرعهم ما بين 20 و25 آب/أغسطس العام 2012[12]. وما بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس العام 2013 عُثر في حلب على 230 جثّة ملقاة في نهر قويق[13] قادمة من مناطق يسيطر عليها النظام، وتأكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من هوية 147 منهم، جميعهم ذكور تتراوح أعمارهم بين 11 و64 عامًا، يُعتقد أنهم قُتلوا أثناء احتجازهم.
وفي 16 نيسان/أبريل العام 2013، شهد حيّ التضامن في دمشق واحدة من أبشع المجازر. فقد أُعدِم فيه 280 مدنياً على حافة مقبرة جماعية[14]، بينما قُتل ما بين 300 و450 شخصاً في مجزرتي البيضا وبانياس في أيار/مايو العام 2013.
وقد بلغت الجرائم ذروتها في 21 آب/أغسطس العام 2013، عندما استُعمِل السلاح الكيمياوي في الغوطة الشرقية والغربية في دمشق، ما أدّى إلى مقتل حوالى 1500 شخص، في أسوأ هجوم كيمياوي منذ مجزرة حلبجة في العراق العام 1988.
ولم تقتصر الجرائم على ما جرى في العلن، إذ كانت هناك مجازر صامتة في سجون النظام. فبعد سقوط هذا النظام في 8 كانون الأول/دسّمبر 2024، أُطلق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين، لكن مصير نحو 100 ألف من المغيَّبين قسراً ما يزال مجهولًا، وسط أدلة متزايدة على أنهم قُتلوا في المعتقلات ودُفنوا في مقابر جماعية كُشف عن بعضها بعد سقوط النظام.
ظهر “داعش” في سياق الصراع العراقيّ، ثم استغل الحرب في سوريا لتوسيع نفوذه. هو تنظيم تعود جذوره إلى تنظيم القاعدة، الذي تبنّى العنف ضد غير المسلمين لأغراض سياسيّة. تخصّصت القاعدة في العنف الاستعراضي الذي بلغ ذروته في هجمات 11 أيلول/سبتمبر العام 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في الولايات المتحدة، والتي أسفرت عن مقتل حوالى 3000 شخص.
كان نجاح هذه الهجمات، من منظور تنظيم القاعدة، بمثابة تعزيز لموقعه، إذ جعله محطّ أنظار العالم وأدى إلى حدوث تغيير في أولويات السياسة الأمريكية، عبر إطلاق “الحرب على الإرهاب”، وتنفيذ غارات بالطائرات بدون طيار في دول مثل الصومال واليمن، بالإضافة إلى غزو أفغانستان والعراق.
في المقابل، غيّر الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، والفوضى التي أعقَبت ذلك، من طبيعة التهديد الجهادي، وهو ما أتاح للتنظيمات المتشدِّدة فرصة التحرك. فقبل الغزو انتقل الجهاديّ الأردنيّ أبو مصعب الزرقاوي إلى العراق، وبعد الإطاحة بنظام صدام حسين أسس “جماعة التوحيد والجهاد” جامعاً السلفيّين الجهاديّين مع ضباط سابقين في النظام البعثي. هذه الجماعة، والتي ستصبح فيما بعد “تنظيم القاعدة في العراق”، ستكون واحداً من الأطراف الرئيسة في الحرب الأهلية العراقية.
ففي تشرين الأول/أكتوبر 2004 بايع الزرقاوي تنظيم “القاعدة”، فصار يُعرَف باسم “تنظيم القاعدة في العراق”. في أعقاب ذلك نشبَت توتّرات بين الزرقاوي وقادة القاعدة حول الأهداف. فقد رأى الزرقاوي أن الشيعة والسنة المتعاونين مع الاحتلال يستحقون الموت. في حين ركّز بن لادن والظواهري على قتل غير المسلمين، ومع ذلك استمرت القاعدة في حملاتها العنيفة.
وعليه كانت القاعدة في العراق وراء الانفجارات التي هزّت بغداد وكربلاء في 2 آذار/ مارس العام 2004 وأسفرت عن مقتل 158 مدنياً شيعياً. وفي شباط/ فبراير العام 2005، أودى تفجير سيارة مفخخة في الحلّة بحياة 125 شخصاً، كما نفّذت القاعدة سلسلة انفجارات أخرى في بغداد في أيلول/سبتمبر العام 2005 أسفرت عن مقتل حوالى 182 شخصاً، بينهم العديد من العمّال العاطلين عن العمل في قطاع البناء.
وبالرغم من مقتل الزرقاوي في حزيران/يونيو العام 2006 على يد القوات الأمريكية، لم تتوقف دائرة العنف التي أسّسها. ففي 15 تشرين الأول/أكتوبر العام 2006 غيّر التنظيم تسميته إلى “الدولة الإسلامية في العراق” (ISI)، ليواصل هجماته على أهداف مدنية يومياً في خضم الحرب الأهليّة العراقيّة.
تمكّن العراق من استعادة استقراره في العام 2008 بعد زيادة عدد القوات الأمريكية وتشكيل ميليشيات مناهضة للتنظيم مثل “أبناء العراق” أو “حركة الصَّحْوة”. لكن السياسات الطائفية التي اعتمدتها الحكومة العراقية أدت إلى زيادة التوترات، وهو ما منح تنظيم “الدولة الإسلامية” فرصة العودة.
وبحلول كانون الأول/دسمبر العام 2013، تجدّدت الحرب بين التنظيم والحكومة العراقية، وفيها ارتكب هذا التنظيم مجازر بارزة، مثل مجزرة سجن بادوش في حزيران/يونيو العام 2014 التي أسفرت عن مقتل 670 سجيناً شيعياً، ومجزرة معسكر سبايكر في نفس الشهر، حيث قُتل ما بين 1095 و1700 طالب عسكريّ شيعيّ. كما استمرت التنظيمات بنشر مواد دعائية لتوسيع نطاق الخوف والترهيب.
في آب/أغسطس العام 2014، ارتكب داعش مجزرة في سنجار أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 5000 من الإيزيديّين، كما أَسَر آلاف النساء الإيزيديات وباعهن كسبايا. هذا الهجوم لم يكن مجرد عقاب بل هدَفَ إلى القضاء كلّياً على الطائفة الإيزيدية.
بعد ذلك، بدأ التنظيم يستغلّ الحرب السورية لتوسيع نطاق عملياته، وأعلن عن نفسه هناك تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش). ومنذ ذلك الحين، واصل التنظيم ارتكاب المجازر مثل مذبحة سكان قرية حطلة في حزيران/يونيو العام 2013 التي أسفرت عن مقتل 30 إلى 60 شخصاً من الشيعة، بالإضافة إلى الهجوم على ريف اللاذقية في آب/أغسطس العام 2013، الذي أسفر عن مقتل 190 مدنياً، وأيضاً مجزرة عشيرة الشعيطات في ناحية هجين في ريف دير الزور في شهرَيْ تموز/يوليو وآب/أغسطس العام 2014، والتي راح ضحيتها أكثر من 800 مدني[15].
قد يتبادر إلى الذهن أنّه لم يكنْ من غير المنطقيّ أن يضمّ تنظيم “داعش” ضباطاً سابقين من الحزب البعثيّ العراقيّ العلمانيّ إلى صفوفه، إلا أنّ الرابط الإيديولوجي بين الطرفين كان جليًّا. فما جمع بين البعث العراقي، والبعث السوري وتنظيم “داعش” هو التوافق في استخدام العنف والمجازر كاستراتيجية سياسيّة للحكم، بدلاً من محاولة كسب تأييد الشعوب.
وكما قال نيكولو مكيافيلي: “من الأفضل أن تُخشى من أن تُحَب”، إذ كانت هذه المقولة على مدى عقود حقيقة ثابتة في العراق وسوريا. أمّا اليوم، ومع نهاية النظامَيْن البعثيَّيْن في العراق وسوريا وبعد سقوط “خلافة” داعش، فإن الأمل معقود على بناء ديناميكيّة جديدة في المنطقة تضع حدّاً نهائيّاً لمرحلة مديدة من السياسات الدمويّة.